التواصل هو تبادل الأفكار والمشاعر بين الناس، وايصالها إلى محيطهم فينتج عن ذلك اندماج مع المجتمع، وهذه العلاقة لا تعتمد على الكلام فقط؛ بل أيضاً تضم الإيحاءات كالابتسامة أو التجهم إضافة إلى الصمت، ومن أهم أنواع التواصل هو التواصل الأسري، فالأسرة هي المركز التعليمي الأول للتكيف مع المجتمع.
خطوات بناء التواصل داخل الأسرة
تنشغل الأسر اليوم بمواعيد عمل الوالدين أو المدرسة وأنشطة الأطفال، لذا فالأوقات التي تقضيها الأسرة معاً قليلة جداً، مما يجعل مستوى تبادل الأحاديث والتواصل فيما بين أفرادها متدنٍ جداً، وفيما يلي بعض الطرق لبناء تواصل أسري صحيح:
تحديد وقت للقاء وللتواصل: على أفراد الأسرة تخصيص وقت للتواصل فيما بينهم لمدة 10 دقائق يومياً، مما يحدث فرقاً كبيراً في تشكيل عادات التواصل الجيد، كإيقاف التلفزيون والراديو وإظهار الاهتمام الكامل للحوار، إضافة إلى تركيز النظر على المتحدث.
الاستماع الجيد: الاستماع الجيد أثناء التواصل يعطي الشعور بالحب والتقدير، وخاصة لدى الأطفال، حيث يحملون مشاعرهم أثناء حديثهم مما يجعل الوالدين أقرب لفهم تفكير أطفالهم.
إظهار التعاطف: أي إظهار المشاعر التي تتناسب مع الحوار الذي يدور بين أفراد الأسرة كالحزن أو الفرح، وتجنب التقليل من شأنها كالقول: "لا داعي للبكاء فالأمر سخيف" إن مثل هذا التصرف يؤثر في المتحدث ويبعده عن التواصل مع الأسرة.
أداء التواصل بشكل صحيح: يتعلم الأطفال معاني الرسائل التي توجه إليهم من آبائهم، مثل نغمات الصوت أثناء الكلام أو تعابير الوجه؛ لذا على الوالدين أن يمارسا التواصل بشكل صحيح، فإن قول عبارة " لا تفعل ذلك" أثناء الضحك ستكون رسالة مربكة، لذا من الأفضل أن تكون الاتجاهات واضحة كي تصل الرسالة بشكل جيد.
استخدام لغة الجسد: معظم الاتصالات شفهية بالدرجة الأولى، ثم تأتي لغة الجسد لتقدم مزيداً من المعلومات عما يقال، هنا تكمن أهمية استخدام لغة الجسد ويمكن توضيح أهميتها من خلال ما يلي:
تعطينا المعلومات عن الحالة المزاجية للمرسل، وتوضح هدف الرسالة.
تسيطر على سير المحادثة، وتوضح أن المتحدث أتم حديثه، وإلى متى يجب أن تستمر المحادثة.
تعبر عن الشخص الذي نتحدث معه، فمثلا لغة الجسد أثناء الحديث إلى طفل تختلف عند الحديث مع الكبار.
كيفية تحقيق التواصل مع الأطفال
من المهم دائماً أن يجد الآباء طرقاً لمساعدة الطفل على التصرف بشكل صحيح دون إيذاء مشاعره أو إرباكه، وفيما يلي بعض الأساليب لتحقيق ذلك:
إعطاء ملاحظات واضحة تتناسب مع الفئة العمرية، كقول: "عندما نصل إلى المتجر أتوقع منك أن تكون مهذباً" هنا يجب التأكد من أن الطفل يفهم معنى هذه الجملة جيداً.
مدح الطفل بشكل مستمر، والثناء على عمله.
الصدق في التعامل مع الطفل.
الاستماع باهتمام لما يقوله الطفل.
استخدام الملاحظات القابلة للتعلم بدلاً من أسلوب فرض الفعل.
من المهم أن يبتعد الوالدان عن استخدام الأساليب التالية مع الطفل:
إعطاء تعليمات عامة غير محددة كالقول: "يا ليت لو كنت أفضّل".
استخدام عبارات اللوم بشكل متكرر.
الصراخ الدائم والتهديد.
استخدام الكذب مع الطفل أو إخباره أنصاف الحقائق.
كيفية التواصل مع المراهقين
يحتاج المراهقون للشعور بالحب والاهتمام من الوالدين أيضاً، كما يحتاجون لمن يستمع إليهم وإلى أفكارهم، لذا على الآباء إظهار احترام آراء مما يحقق التواصل الفعال بين الأجيال، وتتلخص القضايا الهامة بالنسبة للمراهقين بما يلي:
أن يكون الوالدين صادقين معهما.
الاستماع لهم دون الإدانة أو الحكم.
معاملتهم باحترام.
الحصول على دعم نفسي من الوالدين.
الشعور بالاهتمام من الوالدين وإنشاء علاقة صداقة بينهم.
تقديم المساعدة للأبناء لفهم التغيرات الفيزيولوجية والعاطفية التي تطرأ عليهم في هذه المرحلة.
تتواصل كل أسرة وفقاً للعلاقات المحددة بين أفرادها
كل عائلة تقوم بالتواصل فيما بينها بطريقتها الخاصة، يمكن تحديدها وفق العلاقة بين أفرادها داخل الأسرة، ويمكن تقسيمها إلى مجموعة أصناف:
المساواة: في هذا النوع يشارك جميع أفراد الأسرة باتخاذ القرارات، ومناقشتها، هذا النوع يجعل التواصل صادق ومفتوح ومباشر، وعلى الرغم من احتواء مثل هذه الأسر على الصراعات كما مثيلاتها من الأسر، لكن هذه الصراعات لا تقوم على تحدي قوة أخرى، بل ترتبط بموضوع مفتوح للنقاش، وحقيقة من الصعب أن تتحقق المساواة المطلقة إذ لابد من وجود شخص ما يتخذ القرار النهائي في الخلافات التي يصعب حلها.
الاحتكار: حيث يتمتع شخص واحد في الأسرة بالسلطة العليا لاتخاذ القرارات، ويعتبر أن لديه كل المعرفة التي لا يمكن الطعن بها، فهو رئيس الأسرة، ففي أيامنا هذه تكون السلطة بيد الأب أما في ما مضى كانت المجتمعات القديمة تقسم هذه السلطة بين الأب والأقارب، ويتأثر التواصل بين أفراد الأسرة بتركز القوة، وتنشأ النزاعات داخل الأسرة بسبب تحدي هذه السلطة.
انقسام متوازن وانقسام غير متوازن: كما ذكرنا سابقاً من الصعب تحقيق المساواة في الأسرة وخاصة إذا كانت تتألف من عدد كبير من الأفراد؛ لذا فمعظم العائلات تكون في موقع ما بين المساواة والاحتكار، يطلق على هذا النوع من التواصل اسم (انقسام الاحتكار) فلكل فرد مساحة من الاحتكار على قدم المساواة مع باقي أفراد الأسرة فمثلاً يصبح كل شخص هو صاحب القرار النهائي عند مناقشة موضوع معين، فيكون شخص واحد هو صاحب السلطة على الموارد المالية، وآخر ينظم جدول مواعيد الأسرة، وغيره مسؤول عن النشاطات الترفيهية، تتميز هذه الأسر بمستوى منخفض من الصراع لأن كل شخص يحترم سلطة الطرف الآخر، مما يؤدي إلى التواصل الأكثر صحة.
نظرية كورنر حول أنماط اتصال الأسرة
وضح أسكان أف كورنر (Ascan F. Koerner) دكتور في جامعة مينيسوتا؛ في كتابه "نظرية أنماط اتصال الأسرة" أن هناك أنواع أخرى للتواصل العائلي وهي:
التواصل بالتراضي: أو ما يدعى المحادثة المفتوحة، وتعني تعبير أفراد الأسرة بحرية عن أفكارهم ومشاعرهم، لكن في نفس الوقت الآباء هم أصحاب القرار النهائي حول القضايا الهامة، هذان التوجهان متضاربان إلى حد التوتر لكن الآباء يقضون وقتاً طويلاً في شرح قراراتهم والقيم الكامنة خلفها لأطفالهم، وغالباً ما تعتمد مثل هذه الأسر على منظومة القيم الأسرية.
التواصل التعددي: وتتوجه الأسر في هذا النوع نحو الحوار وبعيداً عن المطابقة (أي إلغاء الحوار وتبني وجهة نظر واحدة؛ فلكل فرد رأيه الخاص بالموضوع)، ويرى الوالدان في هذه الأسر أن الدروس تأتي من الخبرة في الحياة، لذا يشجعون أطفالهم على الانخراط في المجتمع لتطوير مداركهم، كما تتميز مثل هذه الأسر بالقدرة على مشاركة جميع أفرادها في الصراع واتخاذ القرار، كذلك القدرة على حل خلافاتهم وفق استراتيجية محددة فيها، ويتمتع أفرادها بالقدر الكافي من الثقة لاتخاذ القرار الصحيح.
تواصل الحماية: وفي هذه الأسر لا مجال للحوار المفتوح، وهي موجهة نحو المطابقة، أي من الممكن أن تسمع أحد الوالدين يقول: "لأني أريد كذا"، فينشأ الأولاد على طاعة الوالدين فيما لا يعتمد الوالدان على المنطق العام في اتخاذ قراراتهم، لذا فالصراعات تكون قليلة ضمن الأسرة ، ولكن مثل هذا النوع من التواصل يجعل أفراد الأسرة فاقدي الثقة بقدرتهم على اتخاذ قراراتهم.
الفشل وتراكم الأخطاء بسبب معوقات التواصل داخل الأسرة
هناك معوقات أمام التواصل الفعال، يمكنها أن تحد من فاعلية التواصل، فتؤدي إلى الفشل وتراكم الأخطاء، وفيما يلي سنتعرف على هذه المعوقات:
الكبت: أحد المعوقات التي تحول دون تحقيق هدف التواصل، بحيث يعني الكبت إخفاء المشاعر أو الرغبات، أحياناً يحظر على أفراد الأسرة التعبير عن مشاعر معينة، أو احتياجات، وهذه الموانع يمكن أن تسبب مع الوقت صعوبات في الاتصالات.
الإنكار: هو من الحواجز التي تحول دون التواصل الفعال ضمن الأسرة، وهي نزعة الإنسان إلى نفي كل الأشياء التي تجعله يشعر بعدم الراحة سواء كان الإنكار ضمني؛ يستخدم فيه كلام السخرية أو صريحاً كالانسحاب من المجموعة.
الاستبدال: يعمل الدماغ بشكل معقد يصعب على الإنسان تصوره، فيحاول تشفير الرسائل لإخفاء المعنى الحقيقي، بحيث لا يتوافق مع التصرف الذي يقوم به الإنسان كأن يستبدل شخصاً بآخر، فمثلاً عندما يشعر بالاستياء من المدير في العمل بدلاً من النقاش معه يقوم باستبداله بأن يصب غضبه على الزوجة؛ التي بدورها بدلاً من التواصل مع الزوج ونقاش المشكلة، تخرج غضبها على الأطفال، هكذا يصبح الأطفال عاجزين عن التواصل مع آبائهم، بالتالي يفقدون القدرة على التواصل فيما بينهم أيضاً.
التضاد: هو ما يحدث عندما تكون الرسائل الشفهية غير منسجمة مع لغة الجسد، ووتيرة الكلام، وحجم وتعابير الوجه، فعندما لا تتطابق نبرة الصوت وتعابير الوجه مع الكلمات، يميل الناس إلى قراءة لغة الجسد واعتمادها بدلاً من معنى الكلام، كما في الخطابة فإن المنبهات غير اللفظية تنقل موقف المتحدث، ومن الإشارات غير اللفظية النظر بعيداً، كذلك عض الشفاه، أو فرك اليدين، وإبداء القلق.
نصائح لتواصل فعال بين أفراد الأسرة
الأسرة هي المكان الوحيد الذي يجب أن لا يلزم بقواعد صارمة، بل تحويلها إلى رغبات مفضلة لدى أفراد الأسرة، إن التركيز على التفضيل يعني ببساطة إعطاء فرصة أكبر ليحب كل فرد القواعد التي تقوم عليها الأسرة، وعلى ذلك يجب اتباع بعض النصائح ليصبح التواصل في الأسرة أفضل، وهذه النصائح هي:
كن مرناً: في مجال التواصل الأسري لا يجب أن تضع حدوداً للتواصل مع أسرتك، كتعيين الزمان والمكان الذي يجب أن يتم فيه الاتصال، فمن الممكن أن لا يكون مناسباً لجميع أفراد الأسرة.
كن ايجابياً: بعض الناس يتحدثون إلى الآخرين بطريقة سلبية، وهذا لا يجوز أن يحصل أثناء التواصل ضمن الأسرة، كتوجيه انتقادات ساخرة للمتحدث مما يسبب انسحابه من دائرة التواصل الأسري، هنا من الأفضل أن يكون النقد تصحيحياً ايجابياً أي يترافق مع التشجيع والتقدير بذات الوقت، فالتواصل الإيجابي أكثر تأثيراً في سير عملية التواصل الصحيحة.
كن مؤثراً: من المهم أن يتجاوز التواصل داخل الأسرة التعبير اللفظي، إذ يعطي وجود الأب الشعور بالأمان، وكذلك حضور الأم يضفي شعور الدفء، لذا يعبر استخدام الإيماءات عن المودة والحب أثناء الحديث، حتى أثناء التأنيب أو التصحيح كالحديث بسلوب سلس أو العناق أو القبلة، كلها يجعل من الرسائل مقبولة ومؤثرة أكثر من الكلمات فقط.
كن واضحاً ولطيفاً ودقيقاً: هذه القواعد الثلاث لا بد من تطبيقها خلال أي عملية تواصل ضمن الأسرة، فمن المهم أن تكون دقيقاً في اختيار كلماتك حتى تتوضح الرسالة التي تريد إيصالها إلى أفراد الأسرة، مما لا يترك مجالاً للغموض.
أخيراً.. إن بناء الأسرة يحتاج إلى فهم صحيح لعوامل نجاحها كمؤسسة فاعلة متزنة؛ إذ يبدأ هذا بالاعتماد على الترابط الأسري، الذي ينتج كما أسلفنا في مقالنا من التواصل الصحيح ضمن الأسرة بمراعاة خصوصية التواصل مع الأطفال، والمراهقين باستخدام أحد أنواع التواصل، إضافة إلى الاستفادة من النصائح التي قدمناها في هذا المقال حول خطوات زيادة فعالية التواصل، وتجنب معوقات التواصل.