وقفت يوما أتأمل الحياة،وأراها أمامي تارة كالبحر الهائج وتارة كالبحر الهادئ،وفيها سفينة البشر تقوم بالإبحار ،وتعترضها
هذه الأمواج الصنديدة ،فيغرق من يغرق،ويقاوم من يقاوم،وإذا نزلوا إلى شواطئ الأمان،حمدوا الله كثيرا لأنه أنقذهم،لكن!
لم ينتهي الأمر عند هذا الحد،بل وأنا أنظر للحياة ،رأيت عاصفة المشاكل قادمة من بعيد، تدمر كل شيء حولها ،وقد انتهت من
بعض من أكثر الأشياء،فأيضا نجا من نجا ،ومات من قد مات ،فهذا واقع الجميع:لا احد يرتاح أبدا في هذه الحياة .
تمر علينا الأيام بلياليها، فنرى أم لم يغمض لها جفن،ولم تذق طعما لراحة ،سهرا على أبنها المريض ،الذي يتأوه من الألم،فتظل
تنظر إليه وقلبها يتقطع من الحزن لأجله.
وذاك أب يكره رؤية أبنائه بلا مأكل ،وبلا مشرب،وبلا مأوى،وبلا تعليم يحقق يبني لهم مستقبلا أفضل ،فتراه يعمل ويشقى ويتعب
لأجل أن يوفر لهم كل هذا.
وذاك شاب تخرج من تعليمه،وهو الآن منذ أشهر يبحث عن وظيفة ولكن! للأسف لم يجدها،فكلما كان يشعر بالفراغ وعدم وجود
فرص للوظيفة،شعر بالحزن الشديد وكره كل شيء في الحياة.
وآخر من فلسه الشديد أغرق في الديون ،فيأتي هذا ويطرق بابه! ليعيد له النقود،ويأتي ذاك يطرق بابه !ليعيد إليه نقوده،فأصاب
رأسه الألم الشديد،فلم يذق طعما للنوم،ولم يذق طعما أبدا لأي نوع من أنواع الراحة.
وآخر يتقلب في فراشه بسبب المرض،أوه أوه! تراه يتألم ويتوجع،فلا يشعر به أكثر الناس ،فينظر للمعافى ويتمنى لو كان في
كامل عافيته مثله.
وأخرى فقدت حبيبا وعزيزا على قلبها،فباتت ليلها ونهارها تبكي عليه،وقلبها وكأنه فيه سكاكين تقطعه،تموت وتحيى من شدة الألم
والحسرة.
فعجبا لها من حياة!
ولكن! أكثر مايسعدني في نهاية الأمر ، أننا نطبق قوله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
نعم! مالنا في هذه الحياة غيره تضيق بنا السبل،ونضيع في الدروب،فلا قلوب الأنام تحن وترحم،ولا ألسنتهم تكف أذاها وترأف،ولا
للإنسان مكان يلجأ إليه،لأنه يعلم بأن الله رحيم وغفار ،يعلم بأن الله سوف يستجيب له ولن يتركه في حزنه يقول الله تعالى:{ أَمَّن
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ }
فلا مفر إلا إليه،ولا راحة إلا بالقرب منه ،ولا سعادة لمن إبتعد عنه،فإليه القلب يهفو ويحن ويشتاق،وبقربه الإنسان يشعر
بسعادة والراحة والهناء،وبطبيعة الحال الإنسان لا يرى غير ربه يحن عليه ويلطف به فيفر إليه ،لذا أنا أحمد ربي على وجوده
في حياتي وبقربه مني،لا أريد شيء غير أن أشكره على وجوده في حياتي.