غضب البيوت
مُغاضباتٌ في البيوتِ وتعـوُّذٌ مِن الشيطان
قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ الأعراف/201 . وأغلبُ البيوت لا تخلوا من مُغاضباتٍ بين أهلها ، حتى بيوت أهل الفضل والصلاح ، ولكن أهل الفضل والصلاح لا يتركوا الأمورَ تسيرُ على ما يُحبُّه الشيطان ويهواه ، بل يتعوذون بالله من الشيطان ، ويستدركون أمورَهم ، ويجمعون شملهم ، ويُصلحون ما بينهم ، ويُبطلون كيد الشيطان .
• فهذا الصديق أبو بكر - رضي اللهُ عنه - لمَّا أرسل الأضيافَ إلى بيته مع عبد الرحمن ولده ، ورفض الأضيافُ أن يأكلوا حتى يأتي أبوبكر ، فيأتي أبو بكر ويراهم قد تأخروا عن الطعام ، فماذا صنع الصِّديقُ الكريم ؟!! يغضبُ على أهل بيته وأضيافِه ، يَسبُّ ويجدِّع ويقسم أن لا يأكل ، ويبلغ به الأمر إلى حد أن يقول للأضياف : كلوا لا هنيئًا ، فيُقسِمُ الأضيافُ أن لا يأكلوا حتى يأكل ، وتُقسِمُ زوجتُه هي الأخرى أنَّها لا تطعمه حتى يطعمه ، وفي وسط هذا الغضب الشديد والانفعال الزائد يتذكَّرُ هذا الصديقُ الكريمُ أنَّ هذا مِن الشيطان ، فينزع عن غضبه ، فيُسَمِّي الله ، ويُقبِلُ على الطعام ، ويُقبِلُ أضيافُه على الطعام ، فيُبارِكُ اللهُ - عز وجل - في الطعام .
فانظر إلى الصديق كيف رجع عمَّا هو فيه من غضبٍ وانفعال لَمَّا عَلِمَ أنَّ هذا الذي جرى وحدث إنما هو من الشيطان ، وها هو الحديث بذلك : أخرج البخاريُّ ومُسلم (1) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما : أنَّ أصحابَ الصُّفَّةِ كانوا ناسًا فقراء ، وإن رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - قال مرة : (( مَن كان عنده طعامُ اثنين ، فليذهب بثلاثة ، ومَن كان عنده طعامُ أربعة ، فليذهب بخامس ، بسادس )) ، أو كما قال : وإنَّ أبا بكرٍ جاء بثلاثة ، وانطلق نبي الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بعشرة ، وأبو بكرٍ بثلاثة ، قال : فهو وأنا وأبي وأمي - ولا أدري هل قال : وامرأتي وخادمٌ بين بيتنا وبيت أبي بكر - قال : وإنَّ أبا بكرٍ تعشَّى عند النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ثم لبث حتى صُليتُ العِشاء ، ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله ، قالت له امرأتُه : ما حَبِسَكَ عن أضيافك ، أو قالت : ضيفُك ؟ قال : أو ما عشَّيتهم ؟ قالت : أَبَوْا حتى تَجيء . قد عرضوا عليهم فغلبوهم ، قال : فذهبتُ أنا فاختبأتُ ، وقال : يا غنثر (2) ! فجدع وسَبَّ ، وقال : كُلوا لا هنيئًا ، وقال : واللهِ لا أطعمُه أبدًا . قال : فأيمُ اللهِ ما كُنَّا نأخذُ مِن لُقمةٍ إلَّا ربا من أسفلها أكثر منها ، قال : حتى شبعنا وصارت أكثرَ مِمَّا كانت قبل ذلك ، فنظر إليها أبو بكرٍ فإذا هي كما هي أو أكثر ، قال لامرأته : يا أختَ بني فراس , ما هذا ؟ قالت : لا ، وقرة عيني , لهِيَ الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار . قال : فأكل منها أبو بكر ، وقال : إنما كان ذلك من الشيطان - يعني يمينه - ثم أكل منها لُقمة ، ثم حملها إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فأصبحت عنده ، قال : وكان بيننا بين قومٍ عقد ، فمضى الأجل ، فعرفنا اثنا عشر رجلاً ، مع كل رجلٍ منهم أناس - اللهُ أعلمُ كم مع كل رجل - إلَّا أنَّه بعث معهم فأكلوا منها أجمعون ، أو كما قال .
وفي روايةٍ أخرى لمسلم (3) : عن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ قال : نزل علينا أضيافٌ لنا ، قال : وكان أبي يتحدث إلى رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - من الليل , قال : فانطلق وقال : يا عبد الرحمن , افرغ من أضيافك (4). قال : فلمَّا أمسيتُ جئنا بقراهم (5) . قال : فأَبَوْا ، فقالوا : حتى يجيء أبو منزلنا (6) ، فيَطعم معنا ، قال : فقلتُ لهم : إنه رجلٌ حديد (7) ، وإنكم إن لم تفعلوا خِفتُ أن يُصيبني منه أذى ، قال : فأَبَوْا ، فلمَّا جاء لم يبدأ بشيءٍ أول منهم ، فقال : أفرغتم من أضيافكم ؟ قال : قالوا : لا ، واللهِ ما فرغنا ، قال : ألم آمُر عبدالرحمن ؟ قال : وتنحَّيتُ عنه ، فقال : يا عبد الرحمن , قال : فتنحَّيتُ، قال : فقال : يا غنثر , أقسمتُ عليكَ إن كنتَ تسمعُ صوتي إلَّا جئت ، قال : فجئتُ ، فقلتُ : واللهِ مالي ذنب ، هؤلاء أضيافُكَ فسَلهم ، قد أتيتُهم بقراهم فأَبَوْا أن يَطعموا حتى تجيء ، قال : فقال : ما لكم ألَّا تقبلوا عنَّا قراكم ؟ قال : فقال أبوبكر : فواللهِ لا أطعمُه الليلة ، قال : فقالوا : فواللهِ لا نطعمُه حتى تطعمَه ، قال : فما رأيتُ كالشَّرِّ كالليلةِ قط ، ويلكم ! ما لكم أن لا تقبلوا عنَّا قراكم ؟ قال : ثم قال : أما الأُولى فمِن الشيطان (8) ، هَلُمُّوا قراكم ، قال : فجيء بالطعام فسَمَّى فأكل وأكلوا ، قال : فلمَّا أصبح غدا على النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فقال : يا رسولَ الله , بروا (9) وحنثتُ ، قال : فأخبره ، فقال : (( بل أنتَ أبرهم وأخيرهم )) .
وليس في بيت أبي بكر فحسب ، فهذا رسولنا محمد النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم تسليم - قد آلى مِن نسائه شهرًا ، واعتزلهن في مشربة له .
وأخرج البخاري في ((صحيحه)) (10) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - اللتين قال الله تعالى : ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ التحريم/4 ، حتى حج وحججتُ ، وعدل وعدلتُ معه بإداوة ، فتبرَّزَ ، ثم جاء فسكبتُ على يديه منها فتوضأ ، فقلتُ له : يا أميرَ المؤمنين , مَن المرأتان من أزواج النبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - اللتان قال الله تعالى : ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ التحريم/4 ؟ قال : واعجبًا لكَ يا ابن عباس ! هما عائشة وحفصة ، ثم استقبل عمر الحديثَ يسوقه ، قال : كنتُ أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة ، وكنا نتناوبُ النزولَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فينزلُ يومًا وأنزلُ يومًا ، فإذا نزلتُ جئتُه بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره ، وإذا نزلَ فعل مثل ذلك ، وكُنَّا معشر قريش نغلبُ النساء ، فلمَّا قدمنا على الأنصار إذا قومٌ تغلبُهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار ، فصخبت عليَّ امرأتي فراجعتني ، فأنكرتُ أن تراجعني ، قالت : ولِمَ تُنكر أن أراجعك ؟ فواللهِ إنَّ أزواج النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ليُراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل ، فأفزعني ذلك ، فقلتُ لها : قد خاب مَن فعل ذلك منهُنّ ، ثم جمعتُ عليَّ ثيابي فنزلتُ فدخلتُ على حفصة ، فقلتُ لها -أي : حفصة - : أتغاضِبُ إحداكُنَّ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - اليومَ حتى الليل ؟ قالت : نعم ، فقلتُ : قد خبتِ وخَسرتِ ، أفتأمنين أن يغضب اللهُ لغضب رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فتهلكي ؟ لا تستكثري النبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ولا تُراجعيه في شيء ، ولا تهجريه ، وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحبَّ إلى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يُريدُ عائشة - قال عمر : وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزوَنا ، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ، فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربًا شديدًا وقال : أَثَمَّ هو ؟ ففزعتُ فخرجتُ إليه ، فقال : قد حدث اليوم أمرٌ عظيم ، قلتُ : ما هو ؟ أجاء غسَّان ؟ قال : لا ، بل أعظم من ذلك وأهول ، طلَّق النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - نساءه - قال عبيد بن حنين : سمع ابن عباس عن عمر قال : فقال : اعتزل النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أزوجه - فقلتُ : خابت حفصة وخسرت ، وقد كنتُ أظن هذا يوشك أن يكون ، فجمعتُ عليَّ ثيابي فصلَّيتُ الفجر مع النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فدخل النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - مشربة له فاعتزل فيها ، ودخلتُ على حفصة ، فإذا هي تبكي ، فقلتُ : ما يُبكيكِ ؟ ألم أكن حذَّرتُكِ هذا ؟ أطلقكن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قالت : لا أدري ، ها هو ذا معتزلٌ في المشربة ، فخرجتُ فجئت إلى المنبر ، فإذا حوله رَهطٌ يبكي بعضُهم ، فجلستُ معهم قليلاً ، ثم غلبني ما أجد ، فجئتُ المشربة التي فيها النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فقلتُ لغلامٍ له أسود استئذِن لعمر، فدخل الغلام ، فكلم النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ثم رجع ، فقال : كلمتُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، وذكرتك له فصمت ، فانصرف حتى جلستُ مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فجئتُ فقلتُ للغلام : استئذِن لعمر ، فدخل ثم رجع فقال : قد ذكرتُكَ له فصمت , فرجعتُ فجلستُ مع الرهط الذين عند المنبر , ثم غلبني ما أجد , فجئتُ الغلام فقلتُ : استئذن لعمر , فدخل ثم رجع إليَّ فقال : قد ذكرتُك له فصمت ، فلمَّا وليتُ منصرفًا، قال : إذا الغلام يدعوني ، فقال : قد أذن لك النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فدخلتُ على رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فإذا هو مضطجع على رمال الحصير ليس بينه وبينه فراش قد أثَّر الرمالُ بجنبه ، متكئًا على وسادةٍ من أدم حشوها ليف ، فسلمتُ عليه ، ثم قلتُ وأنا قائم : يا رسولَ الله ، أطلَّقت نساءك ؟ فرفع إليَّ بصره فقال : (( لا )) فقلتُ : الله أكبر ، ثم قلتُ وأنا قائم أستأنس : يا رسول الله , لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فابتسم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ثم قلت : يا رسول الله , لو رأيتني ودخلت على حفصة ، فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يريد عائشة - فابتسم النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - تبسمة أخرى , فجلست حين رأيته تبسم ، فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت في بيته شيئًا يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله , ادعُ الله فليُوسِّع على أمتك ، فإن فارس والروم قد وُسِّعَ عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فجلس النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وكان متكئًا فقال : (( أَوَ في هذا أنت يا ابن الخطاب ؟ إن أولئك قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا )) . فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، فاعتزل النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة ، وكان قال : (( ما أنا بداخل عليهن شهرًا )) من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله -عز وجل - فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها ، فقالت له عائشة : يا رسول الله , إنك قد أقسمت ألَّا تدخل علينا شهرًا ، وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أَعُدها عدًّا ، فقال : (( الشهر تسع وعشرون ليلة )) . فكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة ، قالت عائشة : ثم أنزل الله تعالى آية التخيير ، فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترتُه ، ثم خيَّر نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة .
• وهذا عليُّ - رضي اللهُ عنه - أمير المؤمنين رجل يُحب الله ورسولَه ويحبه الله ورسوله (11) يُغاضب إحدى سيدات نساء أهل الحنة وهي زوجته السيدة فاطمة بنت رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ورضي الله عنها ، ويخرج من البيت بعد مغاضبته لها ويذهب إلى المسجد ينام فيه .
أخرج البخاري (12) من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي اللهُ عنه - قال : إن كانت أحب أسماء عليًّ - رضي اللهُ عنه - إليه لأبو تراب ، وإن كان ليفرح أن يُدعى بها ، وما سمَّاه أبا تراب إلا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، غاضَبَ يومًا فاطمة ، فخرج فاضطجع إلى الجدار في المسجد ، فجاءه النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يتبعه فقال : هو ذا مضطجع في الجدار , فجاءه النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - وامتلأ ظهره ترابًا ، فجعل النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يمسح التراب عن ظهره ويقول : (( اجلس يا أبا التراب )) .
• فإذا دبت مشكلةٌ بين زوجٍ وزوجه فعليهما أن يتداركا أمرهما ويتعوذا بالله من الشيطان الرجيم , ويُصلحا ذات بينهما ويُغلقا عليهما الأبواب ، ويسدلا عليهما الحجاب ، فإذا غضب الزوج أو انفعلت الزوجة تعوذا بالله وذهبا فتوضَّآ وصلَّيا ركعتين ، وإن كان أحدهما قائمًا فليجلس ، وإن كان جالسًا فليضطجع ، أو ليقبل أحدهما على الآخر ويعانقه ويعتذر إليه إذا كان مخطئًا في حقه ، وليعفو وليصفح لوجه الله ، ويحضرني في هذا المقام قصة حدثت لفاطمة بنت عتبة ابن ربيعة مع زوجها عقيل بن أبي طالب وقد أخرجها ابن سعد في (( الطبقات )) (13) بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مليكة (14) قال : تزوَّجَ عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ، وكانت كبيرة المال فقالت : أتزوج بك على أن تضمن لي (15) وأنفق عليك ، قال : فتزوجها ، فكان إذا دخل عليها قالت : أين عتبة بن ربيعة ؟ أين شيبة ابن ربيعة ؟ قال : فدخل يومًا وهو بَرم ، فقالت : أين عتبة بن ربيعة ؟ أين شيبة بن ربيعة ؟ قال : على يسارك إذا دخلت النار ، قال: فشدت عليها ثيابها وقالت : لا يجمع رأسي ورأسك شيء ، فأتت عثمان فبعث معاوية وابن عباس ، فقال ابن عباس : والله لأفرقن بينهما ، وقال معاوية : ما كنت لأفرقن بين شيخين من بني عبد مناف ، قال : فأتيا وقد شدَّا عليها أثوابهما فأصلحا أمرهما .
قلتُ : فانظر كيف أصلحا ذات بينهما لمَّا دبت بينهما المشكلة ، ولم يحتاجا إلى الحكمين وأغلقا عليهما بابهما ، فهي امرأة يعتريها ما يعتري النساء من الافتخار بجمال أبيها وعمها ( ففي بعض الروايات أنها كانت تقول : أين الذين رقابهم كأباريق الفضة ... ) وهو رجل يحتمل مقالتها يومًا بعد يوم ، ثم يأتي يوم وهو مرهق متعب ضجر فتقول له : أين عتبة بن ربيعة ؟ فيقول لها مقالته : عن يسارك في النار ، فتلبس ملابسها وتتجه إلى أمير المؤمنين عثمان رضيَ اللهُ عنه ، فيُرسل الحكمين ، فلا يصل الحكمان إلى بيت فاطمة وعقيل إلا وقد اصطلحت فاطمة مع عقيل وأغلقا عليهما الأبواب ، فلله الحمد .
وكذلك فليكن أهل الفضل والصلاح ، إذا أخطاء أحدهم فليكن سريع الفيئة سريع الأوبة سريع التوبة ، وكان الله للأوابين غفورًا