*الشمس والقمر*
***
هذه الشمس ...بما تمدنا به من الضياء والنور ، فتجعل نهارنا مبصراً ، نسعى فيه لجلب رزقنا وتأمين معيشتنا .. وبما تمدنا به من الحرارة وأنواع الأشعّة النّافعة ؛ فتساهم في نمو زرعنا ونضج ثمارنا ...
وهذا القمر الذي قدّر الله تعالى له منازل ينزل فيها كل يوم خلال دورانه حول الأرض ، في مدار بين الشمس والأرض ، بحيث يبدو خلال أيّام الشهر على شكل أهلة مختلفة ، نعلم منها عدد الشهور والأيام ومواقيت الصيام والحج والعبادات .. وبما فيه من منافع تعود على الأرض والحياة بالخير الكثير ...
كل ذلك ؛ نعمة من الله عزَّ وجلّ ، وشواهد واضحة على فضله ومنّته وعظيم قدرته سبحانه .
لقد جعل الله تعالى الشمس والقمر يجريان بدأب واستمرار ، على وضع معيّن لا يخرجان عنه ، ولا يتغيّران عنه على مرور الأيام والأزمان ، بحيث يوفّران خدمة أسباب الحياة على الأرض ..إنَّه التسخير الإلهيّ :
(( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ )):إبراهيم:33
وما أعجب دأبهما على الشروق والغروب بدقّة وانتظام ! .
لقد نظر الناس قديماً إلى منافع الشمس والقمر ، وما فيهما من الآيات ، فعبدوهما من دون الله ، واتّخذوهما آلهة لهم .. ونسوا أنَّ ذلك إنّما هو بفضل الخالق سبحانه ؛ فقال الله تعالى مخاطباً لهم :
(( وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )) :فصّلت:37
نعم ... إنَّ السجود إنّما ينبغي أن يكون لله الذي خلق الشمس والقمر ، فهو صاحب الحقّ ، وهو صاحب الفضل .
واليوم ... حصل خرق في طبقة الأوزون ، الدرع الذي يحمي الأرض من أشعّة الشمس الضّارة ، فخاف الناس من الشمس ؛ ونسوا المخافة من خالق الشمس ، فوقعوا فيما وقع به أولئك الناس القدماء .. فأولئك جعلوا رجاءهم في الشمس ، وهؤلاء جعلوا مخافتهم منها !
فهل ينتبه الناس اليوم إلى خطئهم هذا ويتوجّهون إلى الله .
هذا وبالإضافة إلى حديث القرآن عمّا في الشمس والقمر من الآيات والعِبر ؛ فقد تطرّق القرآن أيضاً إلى الحديث عن حقائق تتعلّق بطبيعتهما وعمليهما ، تعليماً للناس ، وحضّاً لهم على النظر والبحث :
(( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) :يونس:101
قال الله تعالى :
(( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً )) : الفرقان :61
وقال :
(( أََلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً{15} وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً{16} )) :نوح
وقال أيضاً :
(( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )) :يونس:5
تسمى الشمس في القرآن الكريم في بعض المواضع بالضّياء ويسمى القمر بالنور ، وإذا أردنا الحقيقة ففرق المعنى بين الاثنين ضئيل .. ولكن القرآن يحدّد الفرق بين الشمس والقمر عبر مقارنات أخرى .. ففي الآيات السابقة يتّضح أنّ الشمس سمّيت سراجاً وهّاجاً ، بينما لم يسمّ القمر سراجاً وإنّما وصف بأنّه منير .
وهكذا قورنت الشمس بالسراج الوهّاج الذي يعطي النور والحرارة من ذاته . ولم يقارن القمر بذلك .
جاء في تفسير المنتخب :
((والشمس هي إحدى النجوم المتوسّطة القدر ، وهي كسائر النجوم مضيئة بذاتها نظراً للتفاعلات الذريّة في داخلها . فالإشعاع الشمسي المنبعث من هذه الطاقة يسقط على الكواكب والأقمار وسائر أجرام السماء غير المضيئة بذاتها فينيرها . أي أنّ الشمس هي سراج وهّاج ، أمّا القمر فيضيء بضياء مرتد من سطحه ، وفي وصف الشمس بأنّها سراج ووصف القمر بأنّه منير إشارة إلى أنّ الشمس مصدر الطاقة الحراريّة ، أمّا القمر فليس كذلك )) .
ويقول الدكتور بوكاي:
((وما تهم الإشارة إليه هنا هو ذلك الإيجاز في المقارنات ، بالإضافة إلى عدم احتواء نص القرآن على أي عنصر مقارن كان سائداً في ذلك العصر وأصبح اليوم وهماً .
إنّ القرآن فرّق بين وصف الشمس ووصف القمر بما يشير إلى طبيعة كل منهما في الوقت الذي نجد فيه أنّ الشمس والقمر مذكوران دائماً في التوراة على أنّهما منيران)) ثمّ يقول :
((لا شيء إذن في القرآن يناقض كل ما نعرف عن هذين الجرمين السماويّين)) .
أمّا قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :
(( فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ )) :البقرة:258
فالآية تحدّثت عن إتيان الشمس حسب ما يظهر منها ؛ أي عن الحركة الظاهريّة للشمس لا عن الكيفيّة التي تأتي بها .
علاقة الشمس بالقمر : ذكر القرآن الكريم أنّ الله عزّ وجلّ خلق الشمس والقمر بحساب وأنّهما يجريان بحساب . قال تعالى :
(( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ )) :الرحمن:5
وذكر أنّهما خلقا أيضاً للحساب والتوقيت :
(( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )) :يونس:5 ـ قدّره منازل: قدّر له منازل ـ القرطبي ـ
وقال تعالى:
(( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً )) :الأنعام:96 ـ أي حساباً للأوقات ـ تفسير الجلالين ـ
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الإمام القرطبي في تفسيره :
ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتّى يستوي ويستدير ثمّ ينقص حتّى يعود كما كان ؟ .. فأنزل الله عزَّ وجلّ هذه الآية :
(( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )) :البقرة:189
فبينت الآية أن الغرض من خلق الأهلّة وأشكال القمر المختلفة هو التوقيت ومعرفة الأيام والأشهر .
ويتبيّن من مجموع الآيات أنّ العلاقة بين الشمس والقمر وجريانهما بحساب من قبل الخالق جلَّ جلاله إنّما هو من أجل أن يكونا أيضاً للحساب والتوقيت في جملة منافعهما .
ولكنّ الآية الأخيرة كانت جواباً لسؤال أراد تفسير السبب في تغير أشكال القمر ، فالسائل كان يريد أن يعرف السبب والكيفيّة التي ينجم عنها اختلاف أشكال الهلال ، لا الغاية من ذلك . لكنّ القرآن الكريم صرفه عن الجواب الذي يريده إلى جواب آخر بأسلوب يسمى أسلوب الحكيم ، وذلك لأن السؤال متعلّق بمسألة في علم الفلك يعجز الناس عن فهمها في ذلك الزمن . ثمَّ إنّ القرآن عاد فأجاب عنها في آية أخرى حيث قال :
(( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )) :يس:39
أي قدّرنا له منازل كل ليلة ينزل منها بمنزل كما يقول الإمام القرطبي رضي الله عنه حتى يعود في آخر الشهر القمري كما كان في أول الشهر كالعرجون القديم ، أي يشبه في شكله ولونه عذق النخل اليابس المتقوّس وهو أصفر عريض يشبه به الهلال إذا انحنى .
فالآية هنا أجابت الجواب المطلوب عن ذلك السؤال ولكن بعد أن ضمن القرآن عدم حصول إشكال في نفوس الناس كما كانوا سمعوها في وقت السؤال ، لأنهم ربّما لم يفهموها ، وربّما أرادوا مزيداً من الاستفسار ، والوقت يومها لا يسمح بذلك . أمّا الجواب عنها بقوله تعالى :
(( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ )) فجاء في وقت لم يكن فيه من يسأل عن الكيفيّة فضمن عدم حصول الإشكال في أذهان السائلين . وضمن سكوتهم عن طلب المزيد من الاستفسار عنها كما لم يستفسروا عن كثير من الآيات غيرها .
وجاء العلم الحديث ليشرح لنا هذه الظاهرة كما لخّصها القرآن الكريم .
يقول العلماء : ((إنّ أشكال القمر التي نراه بها ، مرجعها إلى أنّ القمر يدور حول الأرض مرة خلال الشهر القمري . وأنّ الشمس تنير نصفه دوماً والنصف الآخر مظلم . والوجه المنير المضيء يقابل الشمس دوماً .
ففي المحاق ـ أي آخر الشهر عندما لا نرى القمر ـ يكون القمر بيننا وبين الشمس . فالوجه المنير مقابل للشمس والوجه المظلم نحونا فلا نراه . ثمّ يبدأ في الارتفاع فنرى جزءاً من القسم المضيء ، فنرى هلالاً . ثمّ إذا ارتفع أكثر كبر الهلال .. ولمّا نرى القمر بدراً تكون الأرض بين الشمس والقمر فالوجه المضيء يقابلنا والوجه المظلم في الخلف ... أي نرى الوجه المضيء كله وبذلك يكون الوجه المظلم عكسنا تماماً .
ثمّ يتابع القمر دورته حول الأرض .. فيغيب عنّا جزء من البدر إلى أن نرى القمر هلالاً ثمّ يغيب عنّا ثمّ يطلع في بداية الشهر الجديد هلالاً مرة أخرى .
إذاً فأشكال القمر والأهلّة سببها منازل القمر وعلاقته بالشمس ، وهذا ما قرّرته الآيات القرآنيّة بدقّة وإيجاز وإعجاز .
أمّا قوله تعالى :
(( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )): يس:40
فقد جاء عنه في المنتخب ما نصّه : >>لا الشمس يتأتّى لها أن تخرج عن نواميسها فتلحق القمر وتدخل في مداره ولا الليل يتأتّى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه<< .
وهذه الآيات الكريمة تبيّن معاني وحقائق علميّة لم يتعرّف عليها العلماء إلا في أوائل القرن الرابع عشر . فالشمس هي إحدى نجوم السماء ، وهي كسائر النجوم ، ولها حركتها الذاتيّة ، ولكنها تتميّز عن النجوم الأخرى لقربها من الأرض وبأن لها مجموعة من الكواكب والأقمار والمذنّبات والكويكبات تتبعها وتخضع لقوّة جاذبيّتها ، حيث تجعلها من حولها في مدارات متتابعة بيضاويّة الشكل ، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها الذاتيّة . والخلاصة أن الشمس والأرض والقمر وسائر الكواكب والأجرام تجري في الفضاء بسرعة محدودة وفي اتجاه محدود ، ويلاحظ أنّ الشمس ومجموعتها والنجوم القريبة منها تقع داخل سديم عظيم ممتد في السماء يسمّى ((بسديم المجرّة)) .
وقد تبيّن من الدراسات الحديثة أنّ سائر أجزاء السديم تدور حول المركز بسرعة تتناسب وعكس بعدها عن ذلك المركز . كما اتّضح أنّ الشمس والأرض وكواكبها والنجوم القريبة منها تدور بسرعة وفي اتّجاه محدود ، تبلغ هذه السرعة حوالي 700كم في الثانية . وتتم دورتها حول المركز في حوالي 200 مليون سنة ضوئيّة .
وصفوة القول أنّ الآية الكريمة تنصّ على أن الشمس تجري لمستقر لها ، ولم يتعرّف على معانيها العلماء إلا في أوائل هذا القرن . ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر لأنّ كل منهما يجري في أفلاك متوازية فيستحيل أن تتقابلا ؛ كما يستحيل أن يسبق الليل النهار حيث يتطلّب ذلك أن تدور الأرض حول محورها من الشرق إل الغرب بدلاً من اتجاهها الحالي من الغرب نحو الشرق)) .
أمّا ما جاء في الحديث الشريف من أنّ الشمس تجري لمستقر لها ، أي تجري حتّى تخرّ ساجدة تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها فتطلع مرّة أخرى ، فهذا من قبيل مالا علم لنا بكيفيّته .
فما هو العرش وكيف تسجد الشمس تحته وكيف يكون سجودها ، كل ذلك أمور غيبيّة ؛ الله أعلم بحقيقتها وليست الحقيقة محصورة فيما نعلم فقط .
لقد أمرنا الله عزَّ وجلّ أن ننظر في هذا الكون :
(( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ))
(( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ )) :ق:6 ـ أي ليس فيها خلل ـ .
والآيات في الأمر بالبحث في هذا الكون والتأمّل فيه كثيرة ومختلفة . والشواهد التي ضربها لنا القرآن ممّا خلق الله تعالى في هذا الكون وممّا مرّ معنا في هذه الأبحاث كثيرة ومتنوّعة ، وما ذلك إلا لأنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الكون على أساس من النظام والتقدير والحساب والتدبير .
قال تعالى :
(( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ )) :الرحمن:5
نعم ... والحساب الذي تجري على أساسه حركة القمر والأرض والشمس دقيق ودقيق للغاية .. فالقمر يدور حول نفسه ، وفي نفس الوقت يدور حول الأرض ، وفي نفس الوقت يدور هو والأرض حول الشمس ، ويدور هو والأرض والشمس حول المجرّة .
وتحقّق هذه الحركة المعقّدة المحسوبة حدوث الليل والنهار على الأرض وكذلك الفصول الأربعة .. وتعطينا أشكال القمر المختلفة خلال الشهر فنعلم عدد السنين والحساب ، ومنافع كثيرة جداً من علاقة القمر بالأرض وعلاقة القمر والأرض بالشمس . وذلك كلّه مرتبط بحجم القمر وحجم الأرض وحجم الشمس وسرعة دوران كل منهم حول نفسه وسرعة دوران القمر حول الأرض وسرعة دوران القمر والأرض حول الشمس وبعد كل منهم عن الآخر إلى ما هنالك من الشروط الدقيقة المحسوبة بأرقام دقيقة وتقدير عجيب بحيث تتوافق هذه الشروط والحسابات ليتم عمل هذا الجهاز المكوّن من القمر والأرض والشمس على أتمّ صورة وأكملها مسخّرة منافعه للإنسان :
(( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ )) :الأعراف:54
((الشمس والقمر بحسبان)):
((إنّه بيان آلاء الرحمن في المعرض الكوني العام ، حيث تتجلّى دقّة التقدير ، في تنسيق التكوين والحركة ، بما يملأ القلب روعة ودهشة ، وشعوراً بضخامة هذه الإشارة ، وما في طيّاتها من حقائق بعيدة عن الآماد عميقة الأغوار .
إنَّ الشمس ليست هي أكبر ما في السماء من أجرام . فهنالك في هذا الفضاء الذي لا يعرف البشر له حدوداً ، ملايين الملايين من النجوم ؛ منها الكثير أكبر من الشمس وأشدّ حرارة وضوءاً .. فالشعرى اليمانية أثقل من الشمس بعشرين مرة ؛ ونورها يعادل خمسين ضعف نور الشمس . والسماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس ونوره ثمانية آلاف ضعف ، وسهيل أقوى من الشمس بألفين وخمسمائة مرة ... وهكذا .
ولكنّ الشمس هي أهم نجم بالنسبة لنا نحن سكّان الكوكب الأرضي الصغير ، الذي يعيش هو وسكّانه جميعاً على ضوء الشمس وحرارتها وجاذبيّتها .
وكذلك القمر وهو تابع صغير للأرض ، ولكنّه ذو أثر قوي في حياتها .. وهو العامل الأهم في حركة المد والجزر في البحار .
وحجم الشمس ، ودرجة حرارتها ، وبعدها عنه وسيرها في فلكها ، وكذلك حجم القمر وبعده ودورته ... كلها محسوبة حساباً كامل الدقة بالقياس إلى آثارهما في حياة الأرض ، وبالقياس إلى وضعها في الفضاء مع النجوم والكواكب الأخرى )) ـ ظلال القرآن ـ .
ثمَّ ما أعظم قوله تعالى :
(( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً )) ... فالشمس والقمر خلقا بحساب وقامت العلاقة بينهما وبين الأرض بحساب وجعلا في نفس الوقت جهازاً للحساب ، كالساعة صنعت بعلم وحساب وتجري بدقّة وحساب لتحقق التوقيت والحساب .
دخل بعض الناس إلى معرض صنع فيه جهاز يمثّل حركة القمر والأرض المذكورة سابقاً فكانوا يقفون أمام الجهاز متعجّبين من قدرة صانعه ودقّة وعمل هذا الجهاز .. لكنّهم سرعان ما كانوا يتذكّرون أنّ هذا الجهاز البسيط ما هو إلا تقليد للجهاز الكوني الأصلي الذي خلقه الله عزَّ وجلّ بعلمه وقدرته ... فإذا بهم يتذكّرون أنّ علم الخالق وقدرته أعجب بكثير .
جاء رجل مُلحد إلى أحد العلماء فقال له :
ما الدليل على وجود الله ؟...
قال له العالم : هل لديك ساعة ؟ ... قال الرجل : نعم .
قال العالم : هل هي مضبوطة تماماً ؟ ... قال الرجل : لا ولكنّني أضبطها على الساعة الكبيرة التي في المدينة فهي أقلّ خطأً من ساعتي .
قال العالم : وتلك الساعة الكبيرة على أيّ ساعة تضبط ؟ ...قال الرجل : تضبط على حركة مجموعة من النجوم في السماء ...
عندها قال العالم : ساعتك وساعة المدينة احتاجتا إلى صانع عالم خبير ؛ والساعة الأصليّة التي تضبط هذه الساعات عليها لم تحتج في صنعها إلى عليم خبير !!! .
إنَّ التأمّل في هذا الكون والبحث في مخلوقاته قد أوصل العلماء والناس إلى زيادة المعرفة بقدرة الله ، وزيادة الإيمان بقوله تعالى :
(( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )) :القمر:49
وقوله تعالى :
(( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ )) :النمل:88
يقول علماء الفلك : تعد الشمس نجماً من الحجم المتوسط من حيث الضّخامة ودرجة الحرارة ، ومع هذا فهي أكبر من الأرض بحوالي 1300000 مرّة تقريباً ... وتبعد عنّا حوالي 150 مليون كم .
ويحتاج ضوئها مدة ثمانية دقائق حتّى يصل إلى الأرض .. ولذلك فإنّه في بداية إشراق الشمس عندنا يكون قد مضى على شروقها ثماني دقائق ... وكذلك عندما نراها تغيب . وتعد الشمس قريبة منّا جداً إذا قورنت ببعض النجوم التي تبعد عنّا ملايين السنين الضوئيّة ، والأجرام السماويّة تبدو لنا صغيرة الحجم لأنّها بعيدة جداً .. فتصوّر حجم هذه النجوم الهائل بحيث نراها على الرغم من بعدها الشاسع عنّا .
وحرارة الشمس عالية جداً تصل في باطنها إلى عشرين مليون درجة مئويّة على حين تصل في بعض مناطق السطح إلى 4500 درجة .
لكنّ الذي يصلنا من هذه الحرارة مناسب تماماً لما تحتاجه الحياة على الأرض ... وتصدر عن الشمس أشعة متنوّعة ، منها النافع ومنها الضّارة ، حيث يمتص الغلاف الجوي المحيط بالأرض معظم هذه الأشعّة ولا يصل إلينا منها سوى كميّات ملائمة لقتل بعض الجراثيم .. كما يقول علماء الفلك في كتبهم .
المصدر
كتاب الكون والإنسان بين العلم والقرآن
للمؤلّف بسّام دِفضع