مصادر السيرة النبوية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإنه من توفيق الله لي أن جعلني من المشتغلين بكتابه وسنة نبيه ، وسيرته العطرة، وأقامني في ذلك، فلله الحمد والمنة على ذلك حمداً كثيراً لا يحصيه العدد، وكان من توفيقه كذلك سبحانه أن منّ عليّ بكتابة هذا البحث في سيرة النبي ، بعنوان: (مصادر السيرة النبوية بين المحدثين والمؤرخين) فازددت يقيناً على يقين أن هذه السيرة ما هي إلا ترجمة صادقة لكل ما تأمله البشرية على مر عصورها من قيم وأخلاق ومبادئ ومثل. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن هذا البحث يعالج قضية على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة في كتابة السيرة، وهي المنهج الذي اتبعه كل من المحدثين والمؤرخين في كتابة السيرة وتوثيق مروياتها، وأهمية هذه القضية تنبع من شيئين: الكشف عن سبب الاختلاف بين المنهجين وآثار هذا الاختلاف ومظاهره. والآخر: وَضْع قواعد وأسس يسترشد بها في كتابة السيرة في هذا العصر.
لذا رأيت أنه من الأنسب أن يكون بحثي على النحو التالي:
التمهيد: وأعرف فيه بالسيرة والمصطلحات التي أطلقت عليها قديماً كالمغازي والسير، ولماذا كان لفظ مصطلح المغازي أول ما أطلق على السيرة، كما عالجت العلاقة بين السيرة والحديث والسيرة والتاريخ، كما بينت أهمية دراسة السيرة النبوية وخاصة في عصرنا الحديث الذي ازداد فيه الاهتمام بالإسلام ورسوله وسنته وسيرته زيادة واضحة.
ثم كان الباب الأول: وعالجت فيه تطور مراحل التدوين في السيرة حتى العصر الحديث ومهدت فيه بتمهيد عن اهتمام الصحابة والتابعين بالسيرة النبوية ومظاهر هذا الاهتمام، ثم جاء الفصل الأول وذكرت فيه بداية التدوين في السيرة ثم جاء الفصل الثاني فذكرت فيه مرحلة تدوين المحدثين للسيرة، أما الفصل الثالث فذكرت فيه مرحلة المؤرخين المتخصصين في كتابة السيرة وخصصت الفصل الرابع بمرحلة القرن الخامس، والتي كان من أبرز سماتها مرحلة الجمع والاختيار مع الالتزام بالإسناد. وكان من أبرز المصنفين في هذه المرحلة البيهقي حتى ذهبت إلى أنه علامة فارقة في كتابة السيرة، بحيث كان له تأثير كبير على من جاء بعده من الكاتبين في السيرة وخاصة الموسوعيين منهم، ولذا جاء الفصل الخامس بعنوان: مرحلة التأليف الموسوعي في السيرة، و قد برز فيها اتجاهان: اتجاه التنقيح والتمحيص، واتجاه التوسع في الجمع والحشد والتصنيف تحت عناوين دالة. ثم جاء الفصل السادس وهو الفصل الأخير تحت عنوان: الكتابة في السيرة في العصر الحديث واستخلصت السمات العامة لكتب السيرة في هذا العصر.
وإنما سقت هذا الباب بفصوله الستة؛ لأبين فيه الكتب العُمَد أو المصادر الأساسية للسيرة النبوية، وأن هذه المصادر هي التي ألفت في المراحل الأولى للتدوين، وهي مرحلة تشمل مرحلة البداية والمحدثين ثم المؤرخين ثم مرحلة القرن الخامس، وما عدا ذلك كان من المصادر التي اعتمدت بشكل كبير على هذه المصادر المتقدمة، بل إن بعض هذه المصادر الأساسية قد اعتمدت بدورها على ما سبقها، فمثلاً أثّر ابن إسحاق تأثيراً كبيراً جداً في معظم من ألف في السيرة بعده.
ومن ثم كان هذا الباب تمهيداً للباب الثاني وهو يشكل والباب الثالث صلب البحث، وهو بعنوان: مصادر السيرة النبوية وتقويمها، ومهدت له بالضوابط التي يمكن تقسيم هذه المصادر في ضوئها وذكرت أربعة ضوابط وانتهيت إلى الضابط الذي أرتضيه هو تقسيم هذه المصادر إلى مصادر أصلية حديثية ومصادر أصلية تاريخية، ثم يأتي بعد ذلك المصادر التبعية والتكميلية ثم أتبعت بعد ذلك بكلمة عن القرآن الكريم ومصادر السيرة النبوية.
أما الباب الثالث فهو يعني ببيان السيرة النبوية بين منهج المحدثين ومنهج المؤرخين وبينت فيه النقاط المشتركة والمختلفة بين كلا المنهجين، وما ترتب على ذلك من نتائج مهمة جداً في مرويات السيرة النبوية وتوثيقها.
مصادر السيرة النبوية بين المحدثين والمؤرخين
د / عطية مختار عطية حسين