القرية التي كانت حاضرة البحر
محمد حسن يوسف
قال الله تعالى: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ ] الأعراف: 163-166 [ .
المعنى الحرفي:
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ ﴾ هذا سؤال تقريع وتوبيخ، والمراد من سؤال القرية: سؤال أهلها، فعبر عنهم بها لما كانت مستقرا لهم أو سبب اجتماعهم. أي واسأل هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك عن أخبار أسلافهم الذين خالفوا أمر الله، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وما مسخ الله منهم قردة وخنازير. وفي ضمن هذا السؤال فائدة جليلة، وهي تعريف اليهود بأن ذلك مما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إطلاعه لا يكون إلا بإخبارٍ له من الله سبحانه، فيكون دليلاً على صدقه.
﴿ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ﴾ أي التي كانت بقرب البحر وعلى شاطئه، يقال كنت بحضرة الدار: أي بقربها.
﴿ إِذْ يَعْدُونَ ﴾ أي يعتدون ويظلمون فيه ويخالفون أمر الله تعالى بصيد السمك.
﴿ فِي السَّبْتِ ﴾ والسبت هو اليوم المعروف وأصله السكون، يقال: سبت إذا سكن. وسبت اليهود: تركوا العمل في سبتهم. وكان اعتداؤهم في السبت: أن الله كان حرم عليهم السبت، فكانوا يصطادون فيه السمك.
﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ ﴾ الحيتان: جمع حوت، وأضيفت إليهم لمزيد اختصاص لهم بما كان منها على هذه الصفة من الإتيان يوم السبت دون ما عداه.
﴿ يَوْمَ سَبْتِهِمْ ﴾ الذي نهوا فيه عن العمل.
﴿ شُرَّعًا ﴾ أي ظاهرة على الماء كثيرة، جمع شارع، وقيل: ظاهرة من كل مكان. وقيل: حيتان شرع رافعة رءوسها. وقيل: إنها كانت تشرع على أبوابهم، كالكباش البيض. وقيل إن المعنى: أن حيتان البحر كانت ترد يوم السبت عنقا من البحر، فتتزاحم فيه مثل الكباش السمان البيض، ألهمها الله تعالى أنها لا تصاد يوم السبت، لنهيه تعالى اليهود عن صيدها.
﴿ وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ ﴾ أي ويوم لا يعظمونه تعظيمهم السبت، وذلك سائر الأيام غير يوم السبت، لا تأتيهم الحيتان كما كانت تأتيهم في يوم السبت.
﴿ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ ﴾ الابتلاء: الامتحان والاختبار. أي نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده وإخفائه عنهم في اليوم الحلال لهم صيده.
﴿ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ أي بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها. وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم الله بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام.
﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ ﴾ الأمة الجماعة: أي قالت جماعة من صلحاء أهل القرية لآخرين ممن كان يجتهد في وعظ المتعدين في السبت حين أيسوا من قبولهم للموعظة، وإقلاعهم عن المعصية.
﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ﴾ أي متوقع لهم بالعقوبة في الدنيا جزاء معصيتهم إياه، وخلافهم أمره، واستحلالهم ما حرم عليهم.
﴿ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ في الآخرة، بما انتهكوا من الحرمة وفعلوا من المعصية. وقيل: إن الجماعة القائلة لم تعظون قوماً؟ هم العصاة الفاعلون للصيد في يوم السبت، قالوا ذلك للواعظين لهم حين وعظوهم. والمعنى في هذه الحالة: إذا علمتم أن الله مهلكنا كما تزعمون فلم تعظوننا.
﴿ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ﴾ أي قال الواعظون: موعظتنا إياكم معذرة إلى ربكم، أي إنما يجب علينا أن نعظكم لعلكم تتقون، ولكي نؤدي فرضه علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومؤدى ذلك: أن الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة العصاة عذراً إلى الله.
﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي : يتقوا الله فيخافوه، فينيبوا إلى طاعته، ويتوبوا من معصيتهم إياه، وتعديهم على ما حرم عليهم من اعتدائهم في السبت. ولو كان الخطاب مع المعتدين لكان يقول لعلكم تتقون.
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ أي لما ترك العصاة من أهل القرية ما ذكرهم به الصالحون الناهون عن المنكر ترك الناسي للشيء المعرض عنه تمام الإعراض.
﴿ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ ﴾ أي الذين فعلوا النهي، ولم يتركوه.
﴿ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ وهم العصاة المعتدون في السبت. أي: أخذ الله الذين اعتدوا في السبت، فاستحلوا فيه ما حرم الله من صيد السمك وأكله، فأحل بهم بأسه.
﴿ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ﴾ أي شديد وجيع، من البأس وهو الشدة.
﴿ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ أي بسبب فسقهم.
﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ أي تجاوزوا الحد في معصية الله سبحانه تمرداً وتكبراً، وأبوا أن يرجعوا عن المعصية.
﴿ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً ﴾ أي أمرناهم أمراً كونياً لا أمراً قولياً: أي مسخناهم قردة. قيل: إنه سبحانه عذبهم أولاً بسبب المعصية فلما لم يقلعوا مسخهم قردة، وقيل إن قوله: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ تكرير لقوله: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ للتأكيد والتقرير، وأن المسخ هو العذاب البيس.
﴿ خَاسِئِينَ ﴾ والخاسئ الصاغر الذليل أو المباعد المطرود، يقال: خسأته فخسئ: أي باعدته فتباعد. والمعني: أي: بعداء من الخير.
وفي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل " (1).
حاصل القصة:
روي في قصص هذه الآيات أنها كانت في زمن داود عليه السلام. واختلف أهل التفسير في تعيين هذه القرية: أي قرية هي؟ فقيل أيلة، وقيل طبرية، وقيل مدين بين أيلة والطور، وقيل إيليا، وقيل قرية من قرى ساحل الشام بين مدين وعينون. وكان اليهود يكتمون هذه القصة لما فيها من السبة عليهم. قال أبو جعفر الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هي قرية حاضرة البحر، وجائز أن تكون أي من القري المذكورة، لأن كل ذلك حاضرة البحر، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع العذر بأي من ذلك. حرّم الله سبحانه على أهل هذه القرية صيد الحيتان يوم سبتهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً من كل مكان في ساحل البحر. فإذا مضى يوم السبت، غاصت فلم يأت حوت واحد، فلا يقدروا عليها حتى يغوصوا. فمكثوا بذلك ما شاء الله.
وكانوا قوماً قد اشتدت شهوتهم إلى أكل الحيتان ولقوا من ذلك بلاءً، فاتخذ رجل منهم خيطاً ووتداً، وأخذ حوتاً فربط في ذنبه الخيط، ثم ربطه إلى الوتد، ثم تركه في الماء، حتى إذا غربت الشمس من يوم الأحد، اجتره بالخيط ثم شواه. فوجد جار له ريح حوت، فقال: يا فلان، إني أجد في بيتك ريح نون! فقال: لا! قال: فتطلع في تنوره فإذا هو فيه، فأخبره حينئذ الخبر. فقال: إني أرى الله سيعذبك. قال: فلما لم يره قد عوجل بالعذاب ولم يُبتلى، فلما أتى السبت الآخر أخذ اثنين فربطهما. فلما أمسى من ليلة الأحد أخذهما فشواهما. ثم اطلع جار له عليه، فلما رآه لم يعجل عذاباً، جعلوا يصيدونه، حتى كثر صيد الحوت، والمشي به في الأسواق. وأعلن الفسقة بصيده. فاطلع أهل القرية عليهم، فنهاهم الذين ينهون عن المنكر، فكانوا فرقتين: فرقة تنهاهم وتكف وفرقة تنهاهم ولا تكف.
ثم وسوس الشيطان إلى أهل هذه القرية، وقال: إن الله لم ينهكم عن الاصطياد وإنما نهاكم عن الأكل، فاصطادوها وخذوها فيه، وكلوها في غيره من الأيام! أو قيل: وسوس إليهم أنكم إنما نهيتم عن الأخذ، فاتخذوا حياضاً على شاطئ البحر، تسوقون الحيتان إليها يوم السبت، ثم تأخذونها يوم الأحد. فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد. وظلوا يفعلون ذلك زماناً.
ثم إن العصاة قالوا: لو أنا أخذنا من هذه الحيتان يوم تجيء ما يكفينا فيما سوى ذلك من الأيام! ثم تجرؤوا على السبت، وقالوا: ما نرى السبت إلا قد أحل لنا، فقامت طائفة العصاة بأخذ الحيتان يوم سبتهم، فأخذوا وأكلوا وباعوا. فنهتهم الطائفة الأخرى، وقالوا: تأخذونها، وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم! فلم يزدادوا إلا غياً وعتواً. فلما طال ذلك عليهم، قالت طائفة من الناهين: تعلموا أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب، لم تعظون قوماً الله مهلكهم؟ وكانوا أشد غضباً لله من الطائفة الأخرى.
وقال جمهور المفسرين: إن أهل القرية افترقت ثلاث فرق، وهو الظاهر من الضمائر في الآيات: الفرقة الأولى هي الفرقة العاصية أصحاب الخطيئة، أي: عصت وصادت، وكانوا نحوا من سبعين ألفا. والفرقة الثانية هي الفرقة المعتزلة، أي اعتزلت فلم تنه ولم تعص، وإن هذه الطائفة هي التي قالت للناهية: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ﴾ - تريد العاصية - ﴿ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ ﴾ على غلبة الظن لما عهد من فعل الله تعالى حينئذ بالأمم العاصية: من إهلاك العصاة أو تعذيبهم من دون استئصال بالهلاك. فقالت الفرقة الثالثة الناهية: ﴿ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾، إن كان هلاك فلعلنا ننجو، وإما أن ينتهوا فيكون لنا أجراً. وكل قد كانوا ينهون. ولو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية: ولعلكم تتقون، بالكاف. فلما وقع عليهم غضب الله، نجت الطائفتان اللتان قالوا: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ﴾، والذين قالوا: ﴿ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ﴾، وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردة وخنازير.
وقال الناهون: فقد فعلتم يا أعداء الله! والله لنأتينكم الليلة في مدينتكم! والله ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب. والله لا نساكنكم في قرية واحدة!! فقسموا القرية بجدار: للمسلمين باب وللمعتدين باب. فلما كان الليل طرقهم الله بعذاب.
فأصبح الناهون ذات يوم ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إن لهم شأناً لعل الخمر غلبتهم! فوضعوا سلماً، وأعلوا سور المدينة رجلاً، فإذا هم قردة: الرجل وأزواجه وأولاده!! فالتفت إليهم فقال: أي عباد الله، قردة والله تتصايح كالكلاب ولها أذناب! قال: ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القرود. فجعلوا ينظرون إلى الرجل فيتوسمون فيه، فيقولون: أي فلان، أنت فلان؟ فيومىء بيده إلى صدره أن نعم، بما كسبت يداي. فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي، فيقول: ألم ننهكم عن كذا؟! فتقول برأسها: نعم!! فمكثوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا. فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم. وقيل إن شباب القوم صاروا قردةً، وأن الشيوخ منهم صاروا خنازير.
واعلم أن ظاهر النظم القرآني هو أنه لم ينج من العذاب إلا الفرقة الناهية التي لم تعص، لقوله تعالى: ﴿ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ ﴾، وأنه لم يعذب بالمسخ إلا الطائفة العاصية لقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾. فإن كانت الطوائف منهم ثلاثاً كما تقدم، فالطائفة التي لم تنه ولم تعص يحتمل أنها ممسوخة مع الطائفة العاصية، لأنها قد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر. ويحتمل أنها لم تمسخ، لأنها - وإن كانت ظالمة لنفسها عاتية عن أمر ربها ونهيه، لكنها - لم تظلم نفسها بهذه المعصية الخاصة، وهي صيد الحوت في يوم السبت، ولا عتت عن نهيه لها عن الصيد. وأما إذا كانت الطائفة الثالثة ناهية كالطائفة الثانية، وإنما جعلت طائفة مستقلة لكونها قد جرت المقاولة بينها وبين الطائفة الأخرى من الناهين المعتزلين، فهما في الحقيقة طائفة واحدة لاجتماعهما في النهي والاعتزال والنجاة من المسخ. وهكذا نجد أن الآيات قد نصت على نجاة الناهين وهلاك الظالمين، وسكتت عن الساكتين، لأن الجزاء من جنس العمل!! فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيما فيذموا.
ومما يدل على أنه إنما هلكت الفرقة العادية لا غير، قوله تعالى: ﴿ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [ الأعراف: 165 ]. وقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [ البقرة: 65 ] .
الهدف من القصة:
أولا: الأخبار عن بني إسرائيل، ومواقفهم من الهدي المنزّل عليهم، وانحرافهم عنه، وما عوقبوا به نتيجة لذلك. وفي هذا درس لهذه الأمة من هذه الحيثية.
ثانيا: أن هذه القصة عُرضت في سياق الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس لدينه، واليهود من المدعوين. وفي الكلام عنهم بهذا العرض لا يستغرب رفضهم للدعوة الجديدة. وهذا أمر هام للغاية: إذ إن اليهود هم شهود على صدق هذه الرسالة. فموقف الرفض منهم قد يؤثر على مواقف الناس، فأن يذكر من أخلاقهم ما لا يستغرب معه كفرهم بالدعوة الجديدة، فذلك شيء مهم في التمكين لهذه الدعوة.
ثالثا: أن الهدف المباشر من هذه القصة أن تترفع هذه الأمة عما وقعت فيه الأمم الأخرى من انحراف، وأن يرتفع أفراد هذه الأمة عما وقع فيه أفراد من أمم أخرى من المعاصي.
رابعا: تمثل هذه القصة درسا لمن خالف أمر الله بحيلة من الحيل. فهدي الله المنزل يجب أن يُطبق بقوة. فليس الله كغيره، ولا أمر الله كأمر غيره.
18 من ذي الحجة عام 1426 ( الموافق في تقويم النصارى 18 من يناير عام 2006 ).
------------------------------------------
(1) رواه ابن كثير في تفسيره ( المجلد الثاني، ص: 60 )، عن الفقيه الإمام أبو عبد الله بن بطة، وقال فيه: وإسناده جيد، ويصحح الترمذي بمثل هذا الإسناد كثيرا.
صيد الفوائد