لقد قرر مجموعة من الشباب تنظيم مبادرة تتجلى في إهداء مصحف كريم أو سجادة أو لباسًا بشوارع بعض المدن للفتيات المحجبات، أو تقوم المنقبة بتوزيع الهدايا على الناس! وهذا جاء دفعًا لحملة العدوان ضد المنقبات، جميل أن ندعو إلى الله ونحفز على الخير ونرد الباطل والمعتدي الصائل، ولكن من شرط الوسيلة الدعوية أن تكون مشروعة غير ممنوعة، إذ أن وسائل الدعوة إلى الله توقيفية لا توفيقية.
فهذه المبادرة -لا نشك في حسن نوايا أصحابها- ولكن كما قال الشاعر :
أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا ياسعد تورد الإبل
فهي تتضمن مخالفات شرعية وفتحًا لباب فتن ومحن على الشباب والشابات، وهذه المخالفات هي:
أولاً: تقديم الهدية محل للتقارب والتحاب بين المتهاديين، وهذا فتح باب عشق محرم وفتنة لشباب في مقتبل العمر وعنفوان الشباب، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «تَهَادُوا تَحَابُّوا» (رواه البخاري في الأدب المفرد، ومالك، وصححه الألباني).
الثاني: لا أحد ينكر أن المبادرة ستفتح بابًا من الحوارات والكلمات والشكر والثناء والابتسام والضحك..
كما قال الشاعر:
نظـرة فابتسـامـة فـسـلامُ *** فــكــلام فـمـوعــد فَـلِــقــاءَ
يـوم كنـا ولا تسـل كيـف كـنـا *** نتهادى مـن الهـوى مـا نشـاءُ
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته تحذيرًا بليغًا من فتنة النساء، فقال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (متفق عليه)، وقال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (رواه مسلم)، وقال: «ألا لا يخلونّ رجل بامرأة لا تحل له، فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم» (رواه أحمد).
ثالثًا: أن الرجل الغيور على امرأته أو ابنته أو أخته أو قريبته.. لا يرضى أن يهديها غيره هدية أو تهدي هي لغيره هدية، فضعف الغيرة علامة على سقوط الرجولة، بل على ذهاب الديانة والانغماس في الدياثة، ولذا كان ضعيف الغيرة يُذمّ عند العرب، حتى قيل:
إذ لا تغار على النساء قبائل *** يوم الحفاظ ولا يفون لجـار
وربت هذه الشريعة أبناءها على الغيرة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي» (رواه البخاري، ومسلم)، والمسلمون يعظمون شأن الأعراض والحرمات، فيعظمون من يدفع عن عرضه وحريمه ولو بذل في سبيل ذلك ماله وروحه:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض في المال
فلا ينبغي أن تكون مثل هذه المبادرات التي تفتح باب الغيرة والحنق، أو باب الدياثة لكل أخرق، فقد جاء الوعيد الشديد عن الدياثة ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ» (رواه النسائي برقم:(2515)، (ج8/ص:342)، وأحمد برقم: (5904)، (ج12/ ص:441)، وصححه الألباني برقم:(3071)، في صحيح الجامع).
يقول الغزالي رحمه الله: "وأما ثمرة الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة والأمة، واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقمائة وهو أيضاً مذموم، إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرام وهو خنوثة" (إحياء علوم الدين لالغزالي: ج 2/ ص:359). وقال الذهبي رحمه الله: "ولا خير في من لا غيرة له" (كتاب الكبائر للذهبي: ج 1/ ص:50).
لذلك ننصح إخواننا وأخواتنا بأمور:
أولاً: ترك مثل هذه المبادرات التي تفتح باب الفتنة عليهم.
ثانيًا: المبادرة بالدعوة إلى الله والتعريف بحكم الحجاب الشرعي وفضائله وغير ذلك من وسائل الدعوة المشروعة.
ثالثًا: الرجوع إلى العلماء واستشارتهم قبل أخذ مثل الخطوات.
والله أعلم.