عصام بكار موسس المنتدى
عدد المساهمات : 29907 نٍقـآإطٍـِـِ/يٌ ||~: : 86705 السٌّمعَة : 61 تاريخ التسجيل : 09/12/2009
| موضوع: مصطفى كامل الأحد أغسطس 29, 2010 7:14 pm | |
| مصطفى كامل ويرى مصطفى كامل في الكتاب " أن بقاء الدولة العلية ضروري للجنس البشري، وأن في بقاء سلطاتها سلامة أمم الغرب وأمم الشرق، وقد أحس الكثيرون من رجال السياسة و الإعلام أن بقاء الدولة العلية أمر لازم للتوازن العام وأن زوالها لا قدر الله مجلبة للأخطار ومشعلة لنار يمتد لهيبها بالأرض شرقًا وغربًا، وشمالا وجنوبًا، وأن هدم هذه المملكة القائمة بأمر الإسلام يكون داعية لثورة عامة بين المسلمين وحرب دموية لا تعد بعدها الحروب الصليبية إلا معارك صبيانية، وأن الذين يدعون لخير النصرانية في الشرق يعلمون قبل كل إنسان أن تقسيم الدولة العلية أو حلها يكون الضربة القاضية على مسيحي الشرق عمومًا قبل مسلميه، فقد أجمع العقلاء البصيرون بعواقب الأمور على أن دولة آل عثمان لا تزول من الوجود إلا ودماء المسلمين تجري كالأنهار والبحار في كل واد". ويضيف: " قد علمت إنجلترا أن احتلالها لمصر كان ولا يزال سببًا للعداوة بينها وبين الدول العلية وأن المملكة العثمانية لا تقبل مطلقًا الاتفاق مع إنجلترا على بقائها في مصر، ولذلك رأت إنجلترا أن بقاء السلطنة العثمانية يكون عقبة أبدية في طريقها ومنشأ للمشاكل والعقبات في سبيل امتلاكها مصر، وأن خير وسيلة تضمن لها البقاء في مصر وبقاء يدها على وادي النيل هي هدم السلطنة العثمانية، ونقل الخلافة العثمانية إلى أيدي رجال يكونون تحت وصاية إنجلترا، ويكون آلة في أيديهم ولذلك أخرج الإنجليز مشروع الخلافة العربية مؤملين به استمالة العرب لهم وقيامهم بالعصيان في وجه الدولة العلية، ولذلك أيضا كنت تري الإنجليز ينشرون في جرائدهم أيام الحوادث الأرمينية مشروع تقسيم الدولة العلية ـ حماها الله ـ جاعلين لأنفسهم من الأملاك المحروسة مصر وبلاد العرب أي السلطة العامة على المسلمين". الرحيل اشتد المرض علي الزعيم الذي جاب الأقطار مدافعا عن قضية بلاده غير عابىء بالمرض، فتوافد الناس لزيارته وأخذ يحادث أهله عن آماله وأشجانه حتي دمعت عيناه فبكي الحاضرون فقال: "لا تبكوا إني لم أعرف البكاء يومًا علي نفسي، وإذ بكيت اليوم فإنما أبكي لمصر المسكينة".
مستمرين إن شاء الله
محمد عبده رائد الإصلاح في العصر الحديث يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. في الجامع الأحمدي وُلد الإمام "محمد عبده" في عام (1266هـ = 1849م) ونشأ في قرية صغيرة من ريف مصر هي قرية "محلة نصر" بمحافظة البحيرة. أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته- إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى "الجامع الأحمدي"- جامع السيد البدوي- بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية. وكان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد على "الجامع الأحمدي" قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه. مع الشيخ درويش خضر وهناك التقى بالشيخ الصوفي "درويش خضر"- خال أبيه- الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته. وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات. واستطاع الشيخ "درويش" أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر. وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ. وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة بعد أن عادت إليه ثقته بنفسه. في الأزهر انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدي إلى الجامع الأزهر عام (1282 هـ = 1865م)، وقد كان الأزهر غاية كل متعلم وهدف كل دارس، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية. وكانت الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- لا تخرج عن هذه العلوم في شيء، فلا تاريخ ولا جغرافيا ولا طبيعة ولا كيمياء ولا رياضيات وغير ذلك من العلوم التي كانت توصف- آنذاك- بعلوم أهل الدنيا. ولذلك فَقَدْ شَابَ الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- كثير من التخلف والجمود، وتوقفت العلوم عند ظواهر الأشياء دون النفاذ إلى الجوهر، ومن ثم كانت الدراسة تنصبّ على المتون والحواشي والشروح بالدرجة الأولى. واستمر "محمد عبده" يدرس في "الأزهر" اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م). رجال في حياة الإمام تأثر الشيخ "محمد عبده" بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، وكان من أولهم الشيخ "درويش خضر" الذي كان يلتقي به في إجازته من كل عام، فيتعهده بالرعاية الروحية والتربية الوجدانية، فيصب في روحه من صوفيته النقية، ويشحذ عزيمته ونفسه بالإرادة الواعية، ويحركه للاتصال بالناس، والتفاعل مع المجتمع، ويدعوه إلى التحدث إلى الناس ونصحهم ووعظهم. وهو الذي ساعده على تجاوز حدود العلوم التي درسها بالأزهر، ونبهه إلى ضرورة الأخذ من كل العلوم، بما فيها تلك العلوم التي رفضها الأزهر وضرب حولها سياجًا من المنع والتحريم. ومن ثم فقد اتصل "محمد عبده" بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ "حسن الطويل" الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة في القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة. وقد حركت دروس الشيخ "حسن الطويل" كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، وقد وجد ضالته أخيرًا عند السيد "جمال الدين الأفغاني". صداقة ووئام بين الأفغاني والإمام كان الأفغاني يفيض ذكاء وحيوية ونشاطا، فهو دائم الحركة، دائم التفكير، دائم النقد، دائم العطاء، وكان محركًا للعديد من ثورات الطلاب ومظاهراتهم؛ فقد وهب نفسه لهدف أسمى وغاية نبيلة هي إيقاظ الدولة الإسلامية من سُباتها، والنهوض بها من كبوتها وضعفها، فعمل على تبصرة الشعوب بحقوقها من خلال تنوير عقول أبنائها. ووجد "الأفغاني" في "محمد عبده" الذكاء وحسن الاستعداد، وعلو الهمة، فضلا عن الحماسة في الدعوة إلى الإصلاح، ورأى "محمد عبده" من خلال "الأفغاني" الدنيا التي حجبتها عنه طبيعة الدراسة في الأزهر.. وتلازم الشيخان، ونشأت بينهما صداقة صافية، وساد بينهما نوع من الوئام والتوافق والانسجام على أساس من الحب المتبادل والاحترام والتقدير. الإمام معلمًا بعد أن نال "محمد عبده" شهادة العالمية من الأزهر، انطلق ليبدأ رحلة كفاحه من أجل العلم والتنوير، فلم يكتف بالتدريس في الأزهر، وإنما درّس في "دار العلوم" وفي "مدرسة الألسن"، كما اتصل بالحياة العامة. وكانت دروسه في الأزهر في المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يُدرّس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما ألّف كتابًا في علم الاجتماع والعمران. واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في "الأهرام" مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في "الكتابة والقلم"، وآخر في "المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني"، وثالثا في "العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية". المنهج الإصلاحي للإمام وحينما تولّى الخديوي "توفيق" العرش، تقلد "رياض باشا" رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح "الوقائع المصرية"، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم "محمد عبده" إليه "سعد زغلول"، و"إبراهيم الهلباوي"، والشيخ "محمد خليل"، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ "محمد عبده" هو محررها الأول. وظل الشيخ "محمد عبده" في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل "الوقائع" منبرًا للدعوة إلى الإصلاح. وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح: الأول: يمثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام "محمد عبده" والزعيم "سعد زغلول" ممن يمثلون هذا التيار. والثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسيًا بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها، ومنهم "أديب إسحاق". وكان هؤلاء ينظرون إلى محمد عبده ورفاقه على أنهم رجعيون، ولا يوافقونهم فيما ذهبوا إليه من أن الإصلاح ينبغي أن يأتي بالتدريج ليستقر، وليس طفرة فيزول. الإمام والثورة العرابية وعندما اشتغلت الثورة العرابية سنة (1299هـ = 1882م) التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إليهم الكثير من الأعيان وعلماء الأزهر، واجتمعت حولها جموع الشعب وطوائفه المختلفة، وامتزجت مطالب جنود الجيش بمطالب جموع الشعب والأعيان والعلماء، وانطلقت الصحف تشعل لهيب الثورة، وتثير الجموع، وكان "عبد الله النديم" من أكثر الخطباء تحريضًا على الثورة. وبالرغم من أن "محمد عبده" لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع فإنه انضم إلى المؤيدين للثورة، وأصبح واحدًا من قادتها وزعمائها، فتم القبض عليه، وأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حُكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات. بين بيروت وباريس انتقل "محمد عبده" إلى "بيروت" سنة (1300هـ = 1883م)؛ حيث أقام بها نحو عام، ثم ما لبث أن دعاه أستاذه الأفغاني للسفر إليه في باريس حيث منفاه، واستجاب "محمد عبده" لدعوة أستاذه حيث اشتركا معًا في إصدار مجلة "العروة الوثقى" التي صدرت من غرفة صغيرة متواضعة فوق سطح أحد منازل باريس؛ حيث كانت تلك الغرفة هي مقر التحرير وملتقى الأتباع والمؤيدين. لقد أزعجت تلك المجلة الإنجليز، وأثارت مخاوفهم كما أثارت هواجس الفرنسيين، وكان الإمام محمد عبده وأستاذه وعدد قليل من معاونيهم يحملون عبء تحرير المجلة وتمهيد السبل لها للوصول إلى أرجاء العالم الإسلامي، وكانت مقالات الإمام تتسم في هذه الفترة بالقوة، والدعوة إلى مناهضة الاستعمار، والتحرر من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله. واستطاع الإنجليز إخماد صوت "العروة الوثقى" الذي أضجّ مضاجعهم وأقلق مسامعهم، فاحتجبت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا في ثمانية أشهر، وعاد الشيخ "محمد عبده" إلى بيروت سنة (1302هـ = 1885م) بعد أن تهاوى كل شيء من حوله، فقد فشلت الثورة العرابية، وأغلقت جريدة "العروة الوثقى"، وابتعد عن أستاذه الذي رحل بدوره إلى "فارس". وكان على "محمد عبده" أن يشغل وقته بالتأليف والتعليم، فشرح "نهج البلاغة" ومقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وأخذ يدرّس تفسير القرآن في بعض مساجد "بيروت"، ثم دُعي للتدريس في "المدرسة السلطانية" ببيروت، فعمل على النهوض بها، وأصلح برامجها، فكان يدرّس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه، كما كتب في جريدة "ثمرات الفنون" عددًا من المقالات تشبه مقالاته في "الوقائع". وبالرغم من أن مدة نفيه التي حكم عليه بها كانت ثلاث سنوات فإنه ظل في منفاه نحو ست سنين، فلم يكن يستطيع العودة إلى مصر بعد مشاركته في الثورة على الخديوي "توفيق"، واتهامه له بالخيانة والعمالة، ولكن بعد محاولات كثيرة لعدد من الساسة والزعماء، منهم: "سعد زغلول"، والأميرة "نازلي"، و"مختار باشا"، صدر العفو عن "محمد عبده" سنة (1306هـ = 1889م)، وآن له أن يعود إلى أرض الكنانة.
العودة إلى مصر كان كل شيء قد أصبح في يد الإنجليز، وكان أهم أهداف الشيخ "محمد عبده" إصلاح العقيدة، والعمل على إصلاح المؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.. واتخذ "محمد عبده" قراره بمسالمة الخديوي، وذلك حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يطمح إلى تحقيقه، والاستعانة بالإنجليز أنفسهم إذا اقتضى الأمر، فوضع تقريرًا بعد عودته حول الإصلاحات التي يراها ضرورية للنهوض بالتعليم، ورفعه إلى "اللورد كرومر" نفسه، فحقيقية الأمر التي لا جدال فيها أنه كان القوة الفاعلة والحاكم الحقيقي لمصر. وكان الشيخ "محمد عبده" يأمل أن يكون ناظرًا لدار العلوم أو أستاذًا فيها بعد عودته إلى مصر، ولكن الخديوي والإنجليز كان لهما رأي آخر؛ ولذلك فقد تم تعيينه قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عين مستشارًا في محكمة الاستئناف سنة (1313هـ = 1895م). بدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاضٍ في "عابدين"- وكانت سنه حينئذ قد شارفت على الأربعين- حتى تمكّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وشروحها، وترجم كتابًا في التربية من الفرنسية إلى العربية. الإمام مفتيًا وعندما تُوفي الخديوي "توفيق" سنة (1310هـ = 1892م)، وتولي الخديوي عباس، الذي كان متحمسًا على مناهضة الاحتلال، سعى الشيخ "محمد عبده" إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الإصلاحية التي تقوم على إصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ "حسونة النواوي"، وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وهكذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وهو الحلم الذي تمناه منذ أن وطئت قدماه ساحته لأول مرة. وفي عام (1317هـ = 1899م) تم تعيينه مفتيًا للبلاد، ولكن علاقته بالخديوي عباس كان يشوبها شيء من الفتور، الذي ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوي من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوي للوقف عشرين ألف فرقًا بين الصفقتين.
الحملة الشرسة ضد الإمام وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديوي، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في سنة (1323هـ = 1905م)، وإثر ذلك أحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض، الذي تبيّن أنه السرطان، وما لبث أن تُوفي بالإسكندرية في (8 من جمادى الأولى 1323 هـ = 11 من يوليو 1905م) عن عمر بلغ ستة وخمسين عامًا. أهم مصادر البحث: زعماء الإصلاح في العصر الحديث: أحمد أمين- مكتبة النهضة المصرية-القاهرة (1368هـ = 1948م). محمد عبده: عباس محمود العقاد- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر- القاهرة (1962). مفكرون من مصر: سامي خشبة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة (1421هـ = 2000م). رائد الفكر المصري الإمام محمد عبده: عثمان أمين- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة (1955م).
السيد / محمد كريم الحملة الفرنسية على مصر ! قدمت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798 م، بغرض جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق ، وبعد فشل أهدافهم وإنهزامهم أمام الجيوش الإنجليزية وبعد تحطيم أسطولهم في معركة أبو قير البحرية، رحلوا عن مصر عام 1801م بعد قضاء حوالي ثلاث سنوات. وبعد فترة قليلة من مجيئ الحملة سرعان ما رحل نابليون بونابرت عن مصر تاركاً الجنرال كليبر على رأس الحملة. وبعد مقتل كليبر على يد سليمان الحلبي تسلم الجنرال جاك فرانسوا مينو (أو عبد الله جاك مينو) بعد أن أظهر أنه أسلم ليتزوج من امرأة مسلمة كانت تسمى زبيدة ابنة أحد أعيان رشيد. وبعد هزيمة الفرنسيين وتحطيم أسطولهم وقع الفرنسيون معاهدة لتسليم مصر والعودة لفرنسا على متن السفن البريطانية، لتنتهي بذلك فترة من أهم الفترات التي شهدتها مصر. لقد تعرضت مصر على مر تاريخها لحملتين صليبيتين في عهد الدولة الأيوبية، وكانت الحملتان تقودهما فرنسا، أما الأولى فقد عرفت بالحملة الصليبية الخامسة، وكانت بقيادة جان دي برس. وأما الأخرى فقد عرفت بالحملة الصليبية السابعة، وكانت بقيادة الملك لويس التاسع ومنيت الحملتان بهزيمة مدوية عامي 618 هـ - 1221م و 648 هـ - 1250م وخرجتا من مصر. إلا أن أحتلال مصر كانت رغبة قوية لدى فرنسا، وبقيت أملا لساستها وقادتها ينتظرون الفرصة السانحة لتحقيقها متى سنحت لهم، وفي سبيل ذلك يبعثون رجالهم إلى مصر على هيئة تجار أو سياح أو طلاب ودارسين، ويسجلون دقائق حياتها في تقارير يرسلونها إلى قادتهم. ولما بدأ الضعف يتسرب إلى الدولة العثمانية أخذت فرنسا تتطلع إلى المشرق العربي مرة أخرى ، وكانت تقارير رجالهم تحرضهم بأن اللحظة المناسبة قد حان أوانها ولابد من انتهازها. وكشفت تقارير سانت بريست سفير فرنسا في الآستانة منذ سنة 1768موالبارون دي توت والمسيو (مور) قنصل فرنسا في الإسكندرية ضعف الدولة العثمانية، وأنها في سبيلها إلى الإنحلال، ودعت تلك التقارير إلى ضرورة الإسراع باحتلال مصر ، غير أن الحكومة الفرنسية ترددت ولم تأخذ بنصائحهم، احتفاظا بسياستها القائم ظاهرها على الود والصداقة للدولة العثمانية. وصلت الحملة الفرنسية إلى الإسكندرية ونجحت في احتلال المدينة في 2 يوليو1798م بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها السيد محمد كريم دامت ساعات ، وراح نابليون يذيع منشورا على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه لغزو بلادهم وهو تخليص مصر من طغيان البكوات المماليك الذين يتسلطون في البلاد المصرية ، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين ، وبدأ المنشور بالشهادتين وحرص على إظهار إسلامه وإسلام جنده كذبا وزورا ، وشرع يسوق الأدلة والبراهين على صحة دعواه ، وأن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون ، فقال: "إنهم قد نزلوا روما وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث المسيحيين على محاربة المسلمين" ، وأنهم قد قصدوا مالطة وطردوا منها فرسان القديس يوحنا الذين كانوا يعتقدون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين. وأدرك نابليون قيمة الروابط التاريخية الدينية التي تجمع بين المصريين والعثمانيين تحت لواء الخلافة الإسلامية فحرص ألا يبدو في صورة المعتدي على حقوق السلطان العثماني فعمل على إقناع المصريين بأن الفرنسيين هم أصدقاء السلطان العثماني، غير أن هذه السياسة المخادعة التي أراد نابليون أن يخدع بها المصريين ويكرس احتلاله للبلاد لم تَنْطلِ عليهم أو ينخدعوا بها فقاوموا الاحتلال وضربوا أروع أمثلة الفداء. هذا ما تذكرة الكتب التاريخية عن الحملة ، فلنتعرف على السيد محمد كريم نفسه : محمد كريم هو حاكم سابق لمدينة الاسكندرية وكانت من مواقفه التي يذكر بها في التاريخ هو رفضه تسليم الاسكندرية لنابليون بونابرت قائد جيش الحملة الفرنسية. ولد محمد كريم بحي الأنفوشي بالاسكندرية ، وبدأ في أول حياته بمنصب صغير في الحكومة ولكن مالبث أن لوحظ نشاطه ، فرقي إلى رئاسة الديوان والجمرك بمنطقة الثغر بالاسكندرية ، ثم أصبح حاكماً للمدينة. عندما نزلت سفن الحملة الفرنسية بالاسكندرية ، لم يسلم محمد كريم المدينة في الحال ، ولكنه قاوم مقاومة شديدة وكانت المعركة تدور في قلعة قايتباي ولكن سرعان مانفذت الذخيرة من جنوده ولم يكن هنالك مفر من التسليم للجيش الفرنسي ، وسلم المدينة للفرنسيين وأعتقله كليبر وحبسه في إحدى السفن في أبي قير ، وأعطى رئيس الجيش عهدالأمان على الأنفس. وبالرغم من عهد الأمان فان الفرنسيين قاموا بالتالي : أرسل محمد كريم إلى القاهرة بعد فترة من الحبس في أبي قير ، وأركبوه حماراً يحيط به موكب من العسكر مع دقات الطبول ومشوا به حتى ميدان الرميلة ، وأعدم بالرصاص ثم قاموا بالتمثيل به عن طريق قطع رأسه وتعليقه على نبوت ، ونادى منادي يقول هذا جزاء كل من يخالف الفرنسيين.
السيد محمد كريم ولد السيد محمد كريم بحي الأنفوشي بالاسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر . ونشأ يتيماً فكفله عمه وافتتح له دكاناً صغيراً في الحي.. وكان يتردد على المساجد ليتعلم فيها وعلى الندوات الشعبية ليتحدث وعرف بين أهل الاسكندرية بوطنيته وشجاعته وأصبحت له شعبية كبيرة بين الناس وعندما آلت السلطة في مصر الى اثنين من زعماء المماليك في القاهرة وهما مراد بك وابراهيم بك ( فيما بين 1790 -1798م ) عين مراد بك السيد محمد كريم حاكماً للاسكندرية ومديراً لجماركها وذلك لما لاحظه من مكانة كبيرة لمحمد كريم عند أهل الاسكندرية . وبينما كان محمد كريم يقوم بواجبه – محافظاً للاسكندرية ومشرفاً على جماركها - إذا ببوادر الاحتلال تلوح في الأفق .. ففي يوم 19مايو 1798م أقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملاً بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصداً الاسكندرية ومر في طريقه بمالطة .. وبلغ الانجليز الخبر فعهدوا الى " نلسون " باقتفاء أثر الأسطول الفرنسي وتدميره فقصد "نلسون" الى مالطة وهناك علم أن مراكب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام متجهة نحو الشرق فرجح نلسون أنها ذهبت الى مصر فاتجه الى الاسكندرية ووصل اليها يوم 28يونية 1798 فلم يعثر هناك للفرنسيين على أثر . وأرسل نلسون وفداً الى حاكم المدينة "السيد محمد كريم " لكي يسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد .. لكن محمد كريم رفض طلبهم قائلاً... " ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا .." ووقف أسطول نلسون منتظراً خارج الثغر أربعاً وعشرين ساعة ثم أقلع متجهاً الى شواطىء الأناضول بحثاً عن غريمه .. ولم يمضي على رحيله غير أسبوع حتى ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطىء الاسكندرية.. وعندئذ بعث السيد محمد كريم الى القاهرة مستنجداً بمراد بك وابراهيم بك.. واستقر الرأى على أن يسير مراد بك مع جنوده الى الاسكندرية لصد الغزاة ويبقى ابراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها. وقد وصل الأسطول الفرنسي الى شواطىء الاسكندرية ( عند العجمي ) في أول يوليو1798م وبادر الى انزال قواته ليلاً الى البر ثم سير قسماً من قواته الى الاسكندرية (يوم 2 يوليو ) .. ولم يكن عدد سكان المدينة يومها يزيد على ثمانية آلاف نسمة .. ولم يكن بها من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة ..وكان أن إستعد السيد محمد كريم للدفاع عن الاسكندرية بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد .. وظل محمد كريم يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة .. وظل محمد كريم يقود المعركة ، ثم اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود حتي فرغت ذخيرته فكف عن القتال وتم أسره هو ومن معه ، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان . وأعجب نابليون بشجاعة محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر ، وتظاهر باكرامه ، وأبقاه حاكماً للاسكندرية .. ولما تم لنابليون الاستيلاء على الاسكندرية رأى أن يغادرها الى القاهرة وعين كليبر حاكماً عسكرياً عليها وزحف الى القاهرة في 7 يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية ، والتقى في شبراخيت بفرقة من المماليك على رأسها مراد بك فهزمها ووصل الى القاهرة يوم 21 يوليو ، واحنلها بعد موقعة إمبابة وإنسحاب مراد بك الى الصعيد وفرار ابراهيم بك الى الشام . وبقي كليبر على رأس حامية الاسكندرية ، بينما أخذت دعوة محمد كريم الى المقاومة الشعبية تلقى صداها بين المواطنين فعمت الثورة أرجاء المدينة ، فاعتقل كليبر بعض الأعيان للقضاء على الثورة دون فائدة .. ومع تزايد الثورة وارتفاع حدة المقاومة الشعبية في الاسكندرية .. أمر كليبر بالقبض على السيد محمد كريم يوم (20 يوليو 1798م) وأرسله الى أبوقير حيث كان الأسطول الفرنسي راسياً ، ثم ارسل الى رشيد ومنها الى القاهرة على سفينة أقلعت به في النيل من رشيد يوم 4 أغسطس ووصلت الى القاهرة يوم 12 أغسطس ووجهت اليه تهم التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية ، واستمرت المحاكمة حتى 5سبتمبر حين أرسل نابليون رسالة الى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون الف ريال يدفعها الى خزينة الجيش ليفتدي نفسه .. ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية ، ولما ألح عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض وقال .. " إذا كان مقدوراً علىّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية ، وإذا كان مقدوراً علىّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟. وفي يوم 6سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً باعدام محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص .. ونفذ في السيد محمد كريم حكم الاعدام بميدان الرميلة بالقلعة لتطوى بذلك صفحة من صفحات الجهاد الوطني . وفي عام 1953م تم تكريم السيد محمد كريم ووضعت صورته لأول مرة مع صور محافظي الاسكندرية في مبنى المحافظة تخليداً لذكراه .. كما أطلق اسمه على شارع التتويج وأصبح اسمه شارع محمد كريم (وهوالشارع الموازي لطريق الكورنيش ويبدأ من أمام الجندي المجهول وحتى ميدان المساجد ) . كما أطلق اسمه على احدى المدارس الخاصة بالاسكندرية ( مدرسة محمد كريم بسموحة )... وفي 27نوفمبر 1953 افتتح المسجد المجاور لقصر رأس التين وأطلق عليه " مسجد محمد كريم "... ( وكان مقدراً له أن يحمسم الملك فاروق .. وقد صنع تمثال للسيد محمد كريم تم وضعه في حديقة الخالدين بالاسكندرية . نقيب الأشراف السيد/ عمر مكرم رحمه الله ولد "عمر مكرم" في أسيوط (1164هـ = 1750م)، ثم انتقل إلى "القاهرة" للدراسة في الأزهر الشريف، وانتهى من دراسته وأصبح نقيبًا لأشراف مصر في زمنه، عام (1208هـ = 1793م)، وكان يتمتع بمكانة عالية عند العامة والخاصة. ظهر العالم العامل "عمر مكرم" كقائد شعبي عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك"، عام (1210هـ = 1795م) ورفع لواء المطالبة بالشريعة والتحاكم إليها كمطلب أساسي كما طالب برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل في الرعية. تميزت حياة السيد عمر مكرم بالجهاد المستمر ضد الاحتلال الأجنبي، والنضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم، وكان ينطلق في هذا وذاك من وعي إسلامي عميق وفذ وإيجابي. ففي إطار الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي نجد أنه عندما اقترب الفرنسيون من القاهرة سنة 1798 م قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش النظامي " جيش المماليك في ذلك الوقت "، وفي هذا الصدد يقول الجبرتي " وصعد السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فانزل منها بيرقًا كبيرًا اسمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه ألوف من العامة " ويعلق الرافعي على ذلك بقوله: ”وهذا هو بعينه استنفار الشعب إلى التطوع العم بعد هجمات الغازي المغير والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال “. وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك، بل فضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيس. ثم عاد السد عمر مكرم إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال في بيته ولكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبري ضد الاحتلال الفرنسي تلك الثورة التي اندلعت في عام 1800م.. فيما يعرف بثورة القاهرة الثانية، وكان السيد عمر مكرم من زعماء تلك الثورة، فلما خمدت الثورة أضطر إلى الهروب مرة أخري خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء الثورة وقاموا بمصادرة أملاكه بعد أن أفلت هو من أيديهم، وظل السيد عمر مكرم خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية سنة 1801 م. وفي إطار جهاد السيد عمر مكرم ضد الاحتلال الأجنبي، نجد أن السيد عمر مكرم قاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد مما أضطر فريزر على الجلاء عن مصر. وفي هذا الصدد يقول الجبرتي: "نبه السيد عمر النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك حضور الدروس، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس". ويعلـق الرافعي على ذلك بقوله: "فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فأنك لتري هذا الموقف مماثلا لموقفه عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من عملهم اليوم". ولعل الرافعي قد وضع يده على النقطة الحرجة في مسألة الكفاح ضد الاستعمار والنجاح في هزيمته وحماية بلادنا منه، فإذا كان الشعب المصري قد نجح مرتين في أقل من عشر سنوات في هزيمة محتلين استعماريين هما الحملة الفرنسية 1798 م ـ 1801 م، والحملة الإنجليزية المعروفة بحملة فريزر 1807 م فإن ذلك يرجع إلى قيام علماء الأزهر بواجبهم في قيادة الشعب للجهاد والقتال والدفاع عن الزمار، يرجع إلى وجود العلاقة الصحيحة بين الأمة، وقيام الأزهر بواجبه كقيادة طبيعية للأمة، ولكن عندما قام محمد علي ومن بعده بفصم هذه العلاقة والقضاء على دور العلماء وإحلال النخب المغتربة محل العلماء في قيادة الأمة سقطت مصر في قبضة الاحتلال الإنجليزي سنة 1882م. وفي إطار نضال السيد عمر مكرم ضد الاستبداد والمظالم، نجد أنه قاد النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804م، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا سنة 1805، ففي يوم 2 مايو سنة 1805 م بدأت تلك الثورة، حيث عمت الثورة أنحاء القاهرة وأجتمع العلماء بالأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وبدأت المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة فيما يخص الضرائب ومعاملة الأهالي، ولكن هذه المفاوضات فشلت، فطالبت الجماهير بخلع الوالي، وقام السيد عمر مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة من مظالمهم على المحكمة وهي إلا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء والأعيان، وأن يجلو الجند عن القاهرة وألا يسمح بدخول أي جندي إلى المدينة حامـلا سلاحه. وفي يوم 13 مايو قرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه بعد أن أخذوا عليه شرطًا: "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ويقلع عن المظالم وإلا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء وأنه متي خالف الشروط عزلوه". وفي يوم 16 مايو 1805 صدرت فتاوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وأنتهي الأمر بعزل الوالي خورشيد باشا، ونجاح الثورة الشعبيـة. وإذا تأملنا هذه الأحداث، نجد أن هذه ثورة شعبية ضد الاستبداد استندت إلى فتوى شرعية من المحكمة، وأنها قامت بتولية محمد علي حاكمًا على مصر من خلال معاهدة وشروط بين محمد علي "الوالي الجديد" وبين زعماء الشعب، وأقرت مبدأ الشورى، وعدم اتخاذ قرار بدون الرجوع لممثلي الشعب، وهم العلماء والأعيان، ولو سارت الأمور في مسارها الصحيح بعد ذلك لكان إيذانًا بروح من الحرية والشورى واحترام إرادة الشعب وخياراته يسود مصر، ولكن محمد علي التف على هذا الأمر وأفرغه من مضمونه فيما بعد. وكان السيد عمر مكرم هو زعيم هذه الحركة الشعبية ومحركها، وفي ذلك يقول الرافعي: "كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادهـا". وإذا كان السيد عمر مكرم مجاهدًا ضد الاستعمار، مناضلا ضد الاستبداد فإنه في نفس الوقت كان يملك وعيَا إسلاميًا فذًا ومتقدمًا، ويظهر ذلك من خلال حواره مع مستشار الوالي خورشيد باشا، ووفقًا لرواية الرافعي... فقد التقى السيد عمر مكرم يومًا بعمر بك مستشار خورشيد باشا فوقع بينهما جدال.. فكان مما قاله عمر بك: ” كيف تنزلون من ولاه السلطان عليكم؟ وقد قال الله تعالى {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]!! فأجابه السيد مكرم: "أولوا الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل، وهذا رجل ظالم حتى السلطان والخليفة إذا سار في الناس بالجور فإنهم يعزلونه و يخلعونه". فقال عمر بك: "وكيف تحصروننا وتمنعون عنا الماء والأكل وتقاتلوننا؟ أنحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك؟". فقال السيد مكرم: "قد أفتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم؛ لأنكم عصاة". كان "عمر مكرم" يصر على استمرار حمل الشعب للسلاح حتى إقرار النظام الجديد، وهو نظام "محمد علي" الذي اختاره الشعب ليكون حاكمًا للبلاد، إلا أن رأي غالبية المشايخ -وعلى رأسهم الشيخ "عبد الله الشرقاوي"- هو أن مسألة إنزال "خورشيد" من القلعة قضية تخص الوالي الجديد. استمرت هذه الثورة المسلحة بقيادة "عمر مكرم" 4 أشهر، وأعلنت حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه، وفق مبادئ أشبه بالدستور تضع العدل والرفق بالرعية في قمة أولوياتها. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يستول "عمر مكرم" على السلطة على اعتبار أنه قائد الثورة ومحركها، والأقدر على إقامة العدل والرفق بالشعب؟ والواقع أن إجابة هذا التساؤل لا بد أن تعتمد القراءة الثقافية السياسية من منظور ذلك العصر الذي لم ينظر إلى العثمانيين على أنهم غزاة مغتصبون، ولكن كان ينظر إليهم على أنهم حماة للإسلام، ومن ثم فالثورة على "خورشيد" كانت ثورة على الحاكم الظالم بصفته الشخصية وليست ثورة على النظام السياسي، لذلك فإن تولي "عمر مكرم" للحكم من خلال هذه الثورة قد يفسره العثمانيون على أنه ثورة ضد دولة الخلافة، أما اختيار "محمد علي" -وهو من جنس القوم- لتولي حكم مصر فلن يثير غضب الباب العالي بدرجة كبيرة، ومن هنا تتضح حصافة الرجل الذي قال للزعماء صراحة: "لا بد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية". تولى "محمد علي" حكم مصر بتأييد الزعامة الشعبية التي قادها "عمر مكرم" وفق مبادئ معينة في إقامة العدل والرفق بالرعية، وكان من نتيجة ذلك أن تحملت الزعامة المسئوليات والأخطار التي واجهت نظام "محمد علي" الوليد، ومنها أزمة الفرمان السلطاني بنقله إلى "سالونيك"، والحملة الإنجليزية على مصر سنة (1222هـ = 1807م)، وإجهاض الحركة المملوكية للسيطرة على الحكم في مصر؛ ففي هذه الأزمات الثلاث الكبرى كانت زعامة "عمر مكرم" تترسخ في وجدان المصريين؛ إذ رفض مساندة المماليك في تأليب الشعب ضد "محمد علي"، ورفض فرمانات السلطان العثماني بنقل "الباشا" إلى "سالونيك" فاحتمى "محمد علي" به من سطوة العثمانيين، وفي حملة "فريزر" قام "عمر مكرم" بتحصين القاهرة، واستنفر الناس للجهاد، وكانت الكتب والرسائل تصدر منه وتأتي إليه، أما "محمد علي" فكان في الصعيد يتلكأ، وينتظر حتى تسفر الأحداث عن مسارها الحقيقي. أدرك "محمد علي" أن "عمر مكرم" خطر عليه أمام أحلامه في الاستفراد بحكم مصر؛ فمن استطاع أن يرفعه إلى مصافّ الحكام يستطيع أن يقصيه، ومن ثم أدرك أنه لكي يستطيع تثبيت دعائم ملكه وتجميع خيوط القوة في يده لا بد له أن يقوض الأسس التي يستند عليها "عمر مكرم" في زعامته الشعبية.. فعندما أعلن زعماء الشعب عن استعدادهم للخروج لقتال الإنجليز أجاب "محمد علي": "ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر". كانت العبارة صدمة كبيرة لعمر مكرم؛ إذ حصر دور الزعامة الشعبية في توفير علائف الحيوانات، ولكن حصافة الرجل لم تجعله يعلن خصومة "محمد علي"، وأرجع مقولة "الباشا" إلى أنها زلة لسان، وآثر المصلحة العامة لمواجهة العدوان؛ فقام بجمع المال؛ وهو ما وضعه في موقف حرج مع بعض طوائف الشعب. وصف الجبرتي مكانة "عمر مكرم" بقوله: "وارتفع شأن السيد عمر، وزاد أمره بمباشرة الوقائع، وولاية محمد علي باشا، وصار بيده الحل والعقد، والأمر والنهي، والمرجع في الأمور الكلية والجزئية". فكان يجلس إلى جانب محمد علي في المناسبات والاجتماعات، ويحتل مركز الصدارة في المجتمع المصري، حتى إن الجماهير كانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه. التقت إرادة "محمد علي" في هدم الزعامة الشعبية مع أحقاد المشايخ وعدد من العلماء على "عمر مكرم"، وتنافسهم على الاقتراب من السلطة وتجميع ما تُلقي إليهم من فتات، في هدم هذه الزعامة الكبيرة؛ فقد دب التنافس والانقسام بين المشايخ حول المسائل المالية، والنظر في أوقاف الأزهر، وتولي المناصب. ولم تفلح محاولات رأب الصدع بين العلماء؛ فتدهورت قيمتهم ومكانتهم عند الشعب، واستشرى الفساد بينهم، واستطاع "محمد علي" أن يجد طريقه بين هذه النفوس المريضة للوصول إلى "عمر مكرم"، بل إن هؤلاء المشايخ سعوا إلى السلطة الممثلة في "محمد علي" للإيقاع بعمر مكرم، ووقف هذا السيد الكريم في مواجهة طغيان السلطة وطغيان الأحقاد بمفرده، ونقل الوشاة من العلماء إلى "الباشا" تهديد "عمر مكرم" برفع الأمر إلى "الباب العالي" ضد والي مصر، وتوعده بتحريك الشعب للثورة، وقوله: "كما أصعدته إلى الحكم فإنني قدير على إنزاله منه". ولم تفلح محاولات "محمد علي" في رشوة "عمر مكرم" في تطويع إرادته وإرغامه على الإقلاع عن تبني مطالب الشعب، ومن ثم لجأ إلى المكيدة التي عاونه فيها العلماء، وعزل "عمر مكرم" عن "نقابة الأشراف" ونفاه إلى دمياط في (27 من جمادى الثانية 1224هـ = 9 من أغسطس 1809م)، وقبض العلماء الثمن في الاستحواذ على مناصب هذا الزعيم الكبير؛ ومن هنا جاءت تسمية الجبرتي لهم بـ"مشايخ الوقت". استمر "عمر مكرم" في منفاه ما يقرب من 10 سنوات، وعندما حضر إلى القاهرة في (12 من ربيع الأول 1234هـ = 9 من يناير 1819م) ابتهج الشعب به ولم ينس زعامته له، وتقاطرت الوفود عليه. أما الرجل فكانت السنون قد نالت منه؛ فآثر الابتعاد عن الحياة العامة، ورغم ذلك كان وجوده مؤرقًا لمحمد علي؛ فعندما انتفض القاهريون في (جمادى الآخرة 1237هـ = مارس 1822م) ضد الضرائب الباهظة نفاه محمد علي ثانية إلى خارج القاهرة؛ خوفًا من أن تكون روحه الأبية وراء هذه الانتفاضة، لكن الموت كان في انتظار الزعيم الكبير حيث توفي في ذلك العام بعد أن عاش آلام الشعب، وسعى لتحقيق آماله، وتحمل العنت من أجل مبادئه
حسن طوبار الذى أرعب الحملة الفرنسية حملة نابليون وجدت نفسها مضطرة الي استعمال هذين الأسلوبين ـ الخداع والدبلسة ـ مع المناضل الشعبي حسن طوبار في اقليم المنزلة, لم يكن في يقينها انها وقعت في أشد أنواع الهزيمة قهرا أمام ما تصورت أنه أشد اهدافها ضعفا.. لدرجة ان نابليون نفسه بكل جبروته وقوته ارسل اليه بعض الهدايا ليستميله ويشتري بها سكوته فرفض حسن طوبار بكل اباء. إن قصة الحملة الفرنسية مع حسن طوبار تمثل أروع مايمكن أن يقدمه الشعب المصري العملاق من قدرات خارقة في مواجهة الأعداء الغزاة كان حسن طوبار في ذلك الوقت شيخا لاقليم المنزلة. وكان في حالة من الرواج كفيلة بأن تقعده عن اتخاذ أي موقف يمكن أن يهدد ثروته, اذ كان يملك أسطول صيد قدرته بعض المصادر الفرنسية بحوالي خمسة آلاف مركب, وعددا لابأس به من مصانع نسج القطن, ومن المتاجر, ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية, وفوق ذلك كان يملك حب الناس وتقديرهم. ويقول الجنرال لوجييه معبرا عن هذا المعني ان كل الجهات التي مروا بها في طريقهم الي المنزلة لم تكن تهتف الا بالحب لطوبار والثناء عليه ولذلك فحينما عين الجنرال فيال حاكما علي دمياط لم يكن يورق ذهنه شئ سوي شبح طوبار.. فأهدي اليه سيفا مذهبا ولم يشأ أن ينحيه عن منصبه. لكن حسن طوبار قابل ذلك بالسخرية الشديدة, فكيف يستميله سيف مذهب وهو يستطيع أن يسلح نفسه بالذهب تسليحا كاملا ثم كيف يهنأ له بال وهو يعيش في ذل مقيم يضغط العدو علي حريته ويذيقه هو وأهله أنواع الضيم وقد يعتدي علي كرامتهم ويهتك أعراضهم مثلما فعل في مناطق أخري؟ لابد أن أسئلة كهذه كانت تطل برأسها في أعماق حسن طوبار وهو يشتري من ثروته الخاصة أسلحة ويجهز أسطولا بحريا من القوارب لكي تذهب وتحارب الفرنسيين في البحيرة وتهاجمهم في دمياط وتقض مضاجعهم ليل نهار.. وقد استطاع بالفعل أن يلقي الرعب والفزع في قلوبهم. ورفض كذلك ان يلتقي معهم في أي مفاوضات حتي ولو كانت مع القائد الأكبر نابليون. رفض ايضا مقابلة الجنرال داماس ودعوة الجنرال دوجا للصلح. ورفض كل شئ ماعدا قتالهم حتي اخر قطرة من دمه.. وراح يجوب القري ليؤلف الكتائب ويجهز الفدائيين ويزودهم بالأسلحة وبالروح المعنوية الخارقة.. وحينما استجمع نابليون كل طاقاته لمحاربة حسن طوبار, جهز له حملتين: برية وبحرية بقيادة كل من الجنرال أندريوس والجنرال داما, تحت اشراف الجنرال دوجا قائدا عاما.. وهاجم المنزلة ودخل
| |
|
نور عينى [ كبار الشخصيات ]
عدد المساهمات : 4848 نٍقـآإطٍـِـِ/يٌ ||~: : 12990 السٌّمعَة : 254 تاريخ التسجيل : 14/12/2009 العمر : 44
| موضوع: رد: مصطفى كامل الإثنين أغسطس 30, 2010 2:00 am | |
| | |
|
علا المصرى موسس المنتدى
عدد المساهمات : 12249 نٍقـآإطٍـِـِ/يٌ ||~: : 20224 السٌّمعَة : 5 تاريخ التسجيل : 16/05/2014 العمر : 31
| موضوع: رد: مصطفى كامل السبت مايو 17, 2014 4:41 am | |
| | |
|
عاشقة الجنة [ مدير الموقع ]
عدد المساهمات : 2829 نٍقـآإطٍـِـِ/يٌ ||~: : 7352 السٌّمعَة : 5 تاريخ التسجيل : 27/09/2015 العمر : 56 الموقع : مصر
| |