لماذا سمي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بالنبي الأمي علماً بأن الله سبحانه وتعالى قد أطلق على أهل الجزيرة العربية نفس التسمية (هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّنَ رَسُول مِّنْهُمْ يَتْلُون عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍۢ ( .. الجمعة 2 .. فبعض الناس يقولون أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام جاهل فكيف نرد عليهم ؟
الجواب
كتبه الباحث الإسلامي الأردني تميم أبو دقة ، في 23 أغسطس 2008
يخطئ كثير من الناس فهم معنى النبي الأمي الذي هو لقب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويظنون أن المقصود هو النبي الذي لا يقرأ ولا يكتب ! مع أنه لقب عظيم شامل لجوانب كثيرة .. فمن أهم جوانب معاني هذا اللقب ما يلي :
1 - أميّ نسبة إلى الأمم من غير بني إسرائيل، ووفقا لقواعد النسبة في صرف اللغة العربية ، فإن النسبة تكون للمفرد لا للجمع وتكون بحذف التاء المربوطة إن وجدت وإضافة الياء . فلا يجوز القول نبي أممي فهذا غير مقبول لغويا . والمعنى هنا : أي هو النبي الذي يخرج من غير بني إسرائيل . وقد إستخدم الكتاب المقدس هذه التسمية كما إستخدمها القرآن الكريم لتعني من هم ليسوا من بني إسرائيل أو من أهل الكتاب جميعا حيث يقول تعالى : ( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) .. آل عمران 21 .. كما قالت اليهود لتبرير إرتكابهم الخيانة في حق غيرهم ما سجله القرآن الكريم حيث يقول تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .. آل عمران 76 ..
2 - أميّ نسبة إلى مكة والتي هي إسمها أم القرى ، وحسب قواعد النسبة فإن الإسم المركب تركيبا إضافيا ينسب إلى شطره الأول . وهنا تعني النبي المكي ، أي الذي من أهل مكة.
3 - أميّ نسبة إلى أمة المفردة ، وعندها يعني ذلك هو النبي الذي ينشئ أمة جديدة واحدة متميزة فريدة . وهذا ما حدث بظهوره صلى الله عليه وسلم وظهور الإسلام .
4 - أميّ نسبة إلى الأم أي الفطرة الإنسانية الأصيلة الصافية النقية ، وذلك كما يقال اللسان الأم و اللغة الأم والوطن الأم وغيرها.
أما عدم معرفته صلى الله عليه وسلم بالقراءة والكتابة فلم يكن متفردا في هذا بين العرب ، بل كانت عدم معرفة القراءة شائعة ، وكان لذلك خلفية لا بد من فهمهما . فلقد كان العرب يقيمون وزنا عظيما للأدب الشفوي ، وكانوا يتميزون بصفاء الذهن بحيث كان بعضهم قادرا على حفظ مئات الأبيات من الشعر لمجرد سماعه . ورغم ذلك فقد كانت الكتابة معروفة عندهم ، فقد إبتكروا الأبجدية العربية المتطورة وعرفت الحروف العربية منذ آلاف السنين بأشكال متنوعة متقاربة سواء في الجنوب في حمير أو في الشمال في بلاد الشام . وتوجد آثار قديمة تحمل نقوشا بهذه الحروف ما زالت ماثلة للعيان . وكما هو معروف ، فقد علقوا في الجاهلية قصائد مميزة على جدار الكعبة تقديرا لجودتها ؛ فلو لم يكن هنالك من يقرؤها ، فماذا كان معنى وجودها . ولقد كانت الكتابة والقراءة أمرين متيسرين ليس من الصعب تعلمهما ، بل كان يسهل تعلمهما في أيام معدودات ، لذلك لم يكن كثير من الناس يشعرون بالحاجة إلى تعلمهما .
ومن الأدلة على يسر تعلم القراءة والكتابة هو ما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من وسيلة لكي يفتدي بعض أسرى بدر أنفسهم ؛ وذلك بأن يعلِّم كل من يعرف القراءة والكتابة منهم عشرة من المسلمين . فلولا أن الأمر كان سهلا متيسرا ، لكانت مهمة التعليم تتطلب شهورا من العمل المضني ، وخاصة من جانب كبار السن الذين لا يسهل تعليمهم ، أو لكانت تلك مهمة مستحيلة. كذلك فقد كانت الحروف العربية في السابق غير مشكلة ولا منقوطة وتم إضافة ذلك فيما بعد في العصور الإسلامية . وهذا لأن العرب كانوا قادرين على التمييز بين الحروف المختلفة في اللفظ المتشابهة في الرسم دون تمييزها بنقاط ، كما كانوا قادرين على لفظها بشكل صحيح دون تشكيل. وعدم الحاجة للتشكيل والتنقيط دليل آخر على مدى سهولة تعلم القراءة والكتابة في ذلك الوقت ، وهذا لأن القارئ العربي كان يفهم النص ولا يحتاج إلا إلى أدنى حد من الرسم لكي يعي المكتوب ويقرأه.
أما بخصوص عدم معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم للقراءة والكتابة ، فهي إن صح تسميتها بالأمية فهذا نسبة إلى صفاء الفطرة ونقائها وسلامتها وعدم إختلاطها بما يعكرها ، ولم يستخدم القرآن هذا التعبير (أي الأمي) لتبيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة والكتابة ، حيث يقول تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) .. العنكبوت 49 .. ولقد إستعار العرب مؤخرا لفظة أمي كمصطلح لعدم معرفة القراءة والكتابة من باب تكريم غير القارئين والكاتبين وتشجيعهم على التعلم . وهذا مستحسن بشكل عام ومقبول لغويا . لذلك يجب الحذر من هذا التعبير ، فلا يصح تسمية مجرد عدم معرفة القراءة والكتابة بالأمية ، فقد لا يستحق كثير ممن لا يعرف القراءة والكتابة هذه الصفة الراقية . فهذا التعبير يحكم على نقاء فطرة المرء وصفاء ذهنه ، لا على عدم إمتلاكه مهارتي القراءة والكتابة .
المهم ، أن صفة الأمي للرسول صلى الله عليه وسلم تشير إلى معانٍ عظيمة كما أسلفنا ، وهي صفات مدح وكمال لا نقص . فهو نبي الأمم المؤسس لأمة عظيمة جديدة ، وهو النبي الذي ليس من بني إسرائيل ولا من أهل الكتاب والذي هو نبي لهم أيضا ليجمعهم في أمته الواحدة ، وهو النبي الفطري الذي جاء بدين الفطرة ، وهو النبي المكي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في أم القرى لكل القرى ، وغير ذلك من المعاني الأخرى التي قد لا تكون ذكرت في هذا الرد.